2016
القصيدة ط§ظ„ظ‚طµظٹط±ط© جدا في الإبداع السعودي
د. مها مراد
يقول الدكتور طه حسين:"هي أن يكون هذا المعنى أثرا من آثار العقل والإرادة والقلب جميعا, فليس هو شعرا يصنعه العقل وحده، وإنما هو مزاج من ذلك, يسيطر الذوق عليه قبل كل شيء.
أثر العقل فيه أنه: نقد لاذع، أو هجاء ممض، أو تصوير دقيق لشيء يكره أو يحب، وهذا كله يحتاج إلى بحث وتفكر، وإلى روية وتأمل، ولا يأتي مستجيبا لعاطفة من العواطف أو هوى من الأهواء.
وأثر الإرادة فيه أنه لا يأتي عفو الخاطر، ولا فيضا لقريحة، وإنما يقصد الشاعر إلى عمله وإنشائه، ويستعد لتجويده والتأنق فيه.
وأثر القلب فيه يفيض عليه شيئا من حرارته وحياته, ويجري فيه روحا من قوته, التي يجدها عندما يقبل على الخير أو عندما ينفر من الشر, عندما يرضى وعندما يسخط، فالمعنى في هذا الشعر يجب أن يكون قويا حتى حين يظهر فيه الابتذال وكل هذا لا يأتي إلا إذا صح التعاون بين القلب والإرادة والعقل والذوق على هذا الإنشاء".
فليست ط§ظ„ظ‚طµظٹط¯ط© القصيرة جدا عقلا خالصا يثقله الجمود, ولا عاطفة محضة تهيج الفوضى بالنص, بل هي معادلة لعدة عناصر تشكيلية مؤسسة للوحتها الإبداعية, تمزج بين (العقل والإرادة والقلب).
وتتحقق هذه الخاصية في إبداع هذا الفن الأدبي من خلال عنصرين جامعين من العناصر الجوهرية للشعر إنهما (الصورة – والإيقاع) اللذان هما سمتا الشعر ومركباه الأولان!
أما عن الصورة التي تحتل منزلة لا تنازع فلقد "كانت الصورة الشعرية دوما موضوعا مخصوصا بالمدح والثناء, إنها هي وحدها التي حظيت بمنزلة أسمى من أن تتطلع إلى مراقيها الشامخة باقي الأدوات التعبيرية الأخرى, والعجيب أن يكون هذا موضع إجماع بين نقاد ينتمون إلى عصور وثقافات ولغات مختلفة, ولهذا أمكن القول: "إن الصورة الشعرية كيان يتعالى على التاريخ"
وكيف لا وهي وسيلة الخيال المبدع, وخاتم الشعور الرابض على صفحة الواقع، فهي أداة المبدع عامة, ويزداد طلب هذه الأداة الماهرة لنقش أبيات قصار تخلد في الذاكرة الجمعية هي أبيات لقصيدة قصيرة جدا تعددت أطيافها – في واقع التطبيق- ما بين: (صورة تشخيصية وتجسيدية ونفسية أو حتى صورة ترميزية !)
نأخذ مثلا تصوير: (د. محمد حبيبي) المتتابع في قصيدة بعنوان: (ناعما ينبت العشب) في صور متواترة على تتابع القصائد القصار الداخلة تحت هذا العنوان إذ يقول:
مثل أول رشفة
ــ من قهوةِ الصبحِ ــ
أنتِ
*
أهجسُ
أن أحتويك كثيرا
وحين أضمُّكِ صوب ضلوعي
أهشِّــمُ أنفاسَ حبكِ بين أصابعِ
خوفـي
*
كلما حرثـتْهُ شفاهُـكِ صدري
ناعماً
ينبتُ العشبُ بعد رذاذك
فالقصيدة الأولى بها طرافة الصورة التشبيهية غير التقليدية، فها هي حبيبته: (حلوة) مثل: (أول رشفة من قهوة الصبح)، فهي الصفوة من الحياة كما هذه الرشفة نخبة الفنجان!
وتأخذ الصورة في القصيدة الثانية منحى نفسيا دالا على إرباك الخوف, الذي يقتل ما نحب أن يحيا؛ فهو رغم شدة هاجسه بضمها إذا بأصابع خوفه تخنقها وتقتل حبها! وفي هذه الصورة النفسية حالة غير مريحة باعثها الموت، أثارها اختيار الكلمات: (أهشم – أصابع).
وفي ومضته الثالثة شعور مناقض (مفارق) للشعور غير المريح الساب ؛ حيث يورق الصدر بعد نزول غيث محبوبته، وهو شعور مريح باعثه (الحياة) التي أتقن الشاعر الإيحاء بها من خلال ألفاظه الدالة: (ناعما / عشب / رذاذ).
وتاتي الصورة عند: (عيد الحجيلي) تشخيصية موحية في قوله بقصيدة (أرض):
رشفتْ جمر الكآبة
ولعاب الشمس يعوي بين كفيها
وما ثمَّ سحابة
فاستوت جرحا سويا غيض
في جوف الرتابة
وسؤالا عندميا
بات خفا للإجابة!!
فها هي الأرض مشخصة تعاني (عواء الشمس وفقد المطر: وما ثم سحابة), مجروحة بلا جواب شاف لسؤالها.
أو تأتي الصورة تجسيدية كما في قصيدته (شاعرة):
بين هدأة مرآتها
ولهاث الرؤى الصاخبة
ترقبُ العمر
يسقط
قافية
قافية
فها هو (العمر) الذي يمضي – لا توقفه (هدأة) ولا (لهاث) – في توقيعاته متناغما؛ إنه عمر شاعرة: يسقط
قافية
قافية !!
وقد جاء التشكيل الكتابي لموقع الكلمات على الشكل السابق تصويريا دالا.
كما جاءت الصورة في ثوب التشبيه الثري في قصيدة: (ذاكرة الحرف 1) للشاعر: (د. عبد الله الوشمي) إذ يقول:
أريدُ أن أكونْ.
سنبلةً مثقلةً أريد أن أكونْ.
أو نبضةَ الغصن إذا أزمع أن يكونْ.
أو دورةَ الماء على الأرض إذا هم بأنْ
يبدأ رحلةَ الغصونْ.
أريدُ أنْ أكونْ.
وإذا ما نظرنا إلى ما تحظى به (القصيدة القصيرة جدا) من هذا الإيقاع، أو بالأحرى ما ينبغي أن تحظى به فإنا نوصي مبدعيها بالمزيد، فللإيقاع النغمي بقاء وأثر وترداد في الأذن، هذا (الأثر) هو ما يُطلب من تلك (الومضة) التي عليها ملاحقة كل الوسائل الفنية لخطف الحواس، ولتكون عنصرا داعما ومرشحا لتخليدها.
أما عن تحقق هذا العنصر في الإبداع السعودي لهذا النوع من القصيد, فقد كان للعناية بالتقفية – كأحد عناصر الإيقاع – حضورا معتدلا، وجاء (التكرار – والتوازنات الإيقاعية) – كعنصرين آخرين له – على ندرة.
كما لم تأخذ القافية صورة إلزامية، فهي تظهر وتختفي كما الحال مع قصيدة الشعر المرسل والشعر الحر، فتظهر في عدد من النصوص للشعراء: (عيد الحجيلي – د. محمد حبيبي – د. عبد الله الوشمي – أحمد عسيري – إبراهيم عبد الله مفتاح – علي الأمير) , التي جاءت غالبا – ومراعاة لاكتناز القصيدة – مفردة غير متعددة، كما في مثل قصيدة (أرض) لـ (عيد الحجيلي):
رشفتْ جمر الكآبة
ولعاب الشمس يعوي بين كفيها
وما ثمَّ سحابة
فاستوت جرحا سويا غيض
في جوف الرتابة
وسؤالا عندميا
بات خفا للإجابة !!
فالكلمات (الكآبة – الرتابة – للإجابة) مثلت كلمات لقافية مفردة على روي واحد وقد زادها التأسيس إيقاعا ملموسا أكثر.
وقد جاءت عنده القافية المتعددة – على قلة – في قصيدة (عصا) إذ يقول:
طمست في خزف الوقت
أهازيج عصاه
سال منها العطش / الفرض
على سفح الحياة
فابتنى دربا جديدا
أشعل الخيل
وهام الليل
حيث توافق القوافي (عصاه – الحياة) معا، واختلفت مع القافية الأخرى: (الخيل – الليل) , وإن كان الشاعر وقع في نوع من أنواع الضرورة الشعرية هنا حيث (أبدل) في كلمة القافية بين (الهاء والتاء المربوطة)، وهو ما تكرر وقوع الشاعر فيه في قصيدة أخرى: (حُداء) إذ يقول:
.. حينما مسّهمْ نَصَبُ الجوعِ
في وعْثاء المتاهْ
سماء الحروف
مقامٌ لكمْ..
ولكمْ في المجاز حياهْ !!
واستخدم القافية المردفة بالياء في قصيدة (إبانة) التي يقول فيها:
قاموسُ فتنتِها
عميقْ
لكأنّها
إن أَقْبَـلَتْ
أو أَدْبَـرَتْ
تَضع النِّقاطَ
على الحريقْ !!
ونلحظ أن كل قوافي الحجيلي المذكورة سابقا جاءت ساكنة غير مطلقة بالحركة, كما في القصيدة (روضة) كذلك, إذ يقول فيها:
بين وابلِ قلبي
وصفوانِ هذا البَلَدْ
روضةٌ
من رياضِ الكَمَدْ !!
وفي هذا السكون – ربما – دلالة على حزن (كمد) يلف معنى القصيدة ويقيدها عن الحركة.
وأما (د. عبد الله الوشمي) فقد جاء الإيقاع التقفوي عنده بصور مختلفة منها: (القافية المؤسسة, أوالمردفة , أو التي بدون تأسيس ولا ردف), وكلها جاءت (ساكنة) كما عند سابقه: (عيد الحجيلي).
فنجد من قوافيه المؤسسة أربع قصائد هي: (ذاكرة الحرف: 3-4-5 / مفردات من كتاب المطر: كتاب / بحور: مجمع البحرين / أقلام: كفاح)؛ يقول في ذاكرة الحرف:
[3]
غيري أنا يحترف البقاء والخمولْ.
لكنني كشاعرٍ
أحترف الرحيلَ والهطولْ.
*****
[4]
كساحرٍ
أنا هنا مع الحروفْ.
أُخرجُ من رمادِها الألوفْ.
لو!
لو مات يوماً شاعرٌ
لانفجرتْ ذاكرةَُ الحروفْ.
*****
[5]
مسافرٌ مَنْ يكتبُ الشعر بلا رجوعْ.
وعاشقٌ على رصيفِ الصبرِ دائماً
حروفُـه القلوعْ.
لم يكن الشعرُ له ابتسامةً
لكنه الدموعْ!
فنجد القوافي: (3- الخمول – الهطول / 4- الحروف – الألوف – الحروف / رجوع – القلوع – الدموع)
وإن كان الشاعر – على جودة التزامه بقافية مردفة بالواو في جميعها – يؤخذ عليه تكراره كلمة القافية (الحروف) على قرب الأبيات الفاصلة بين موضعيها وهو ما يسمى (إيطاء).
ويقول في قصيدة (مفردات من كتاب المطر: كتاب):
… والسماءُ التي سوف ترسلُ
أبناءها للترابْ
والترابُ الذي ليس يُحسن غير الدموعْ
سوف يُصبح أحلى كتاب
إذ جاءت القافية منسجمة في: (التراب – كتاب)، مردفة بالألف.
وفي قصيدته الثالثة (بحور: مجمع البحرين) يقول:
ساعة واشتياقْ..
قبلة واحتراقْ..
وفراق طويل!
فجاءت ومضة قصيرة موقعة مقفاة مردفة بالألف: (اشتياق – احتراق) على أحكم ما يكون إتقان الصنعة الصوتية المشدودة في توازن متقارب يجذب السمع ويبقى أثره في الذاكرة.
وفي رابعته (أقلام: كفاح) يقول:
يحكُّ أصابعه كل حينٍ
وينثرها للرياحْ
يخاتل بعض الحروف ويدنو
فرائسُه تحتمي بالصباح
إذا بدأت بالصهيلِ القصائدُ
شدَّ أصابعه للكفاح
إذ نجد: (للرياح – الصباح – للكفاح) قواف مردفة أيضا بالألف, على لطافة روي الحاء في الأذن.
كما والى (د. عبد الله الوشمي) بين ثلاث قصائد قصار متتالية ضمها تحت عنوان (مفردات من كتاب المطر) وهي: (سؤال – احتباء – درس) على قافية واحدة امتد نفسه لها بشكل واضح (إذ ليست هي العادة) إذ يقول:
* سؤال
قطراتُ المطرْ
تتساءلُ
أين يكون المقر؟
…
* اختباء
ننحني والشجرْ
بيننا ينحني،
والقمرْ
أبداً يستريح إلى
تمتمات المطرْ
وهْو يزرعُ أحلامه في الترابْ
* درس
ونشيدُ المطرْ
لم يزل بيننا
ينتشي بالثمرْ
ويُقدِّم درس النقاءِِ
لكل الشجرْ
فنجد كلمات القافية رائية الروي: (المطر – الشجر – القمر – الثمر) على امتداد الثلاث قصائد.
ومما جاء له بدون تأسيس ولا ردف نجد قوله في قصيدة (غلام):
الغلام الذي أَلِف الحبر والراحلة
قاتلته العواصم: عاصمة عاصمة
قاتلته ولكنه لم يزل
صاحب السيف والحبر والراحلة
يبدأ العشق من أرضه البكر أو أمه السنبلة
قال: هل سوف آوي إلى جبل
أم إلى قبلةٍ ثانية !!
ومضى يستحث خطا القافلة!
حائرا سوف تحرقه الريح والبيد والأسئلة
وعلى قافية الراء التي طال بها نفس الوشمي وردت قصيدتان لـ (د. محمد حبيبي) هما: (فاصلة – أطلال) يقول في الأولى:
كلما عدتُ للقرية النائيةْ
فرَّ مني القمرْ
كلما لذتُ نحو الحميمين من أصدقاء الطفولة
يبكي علينا الشجرْ
كلما أُبتُ من سفرٍ يحتويني سفرْ
وهي – إلى جانب إيقاعها القافوي – نجد بها عنصرا إيقاعيا ثانيا هو (التكرار): (كلما) المكررة ثلاث مرات في بداية كل سطر.
وجاءت القافية عند (إبراهيم عبد الله مفتاح) مردفة في قصيدة (رائحة التراب), إذ يقول:
يممت وجهي للجهات
فأوصدت
منقووووووول للفايدة
يســــــــــلمؤِ يآلغلآ
ودي
مشكوره
يعطيك العافيه
يسلمووووووووووووووو
الله يعطيك العافيه
يسلموووووووووووووو
يسلموو الله يعطيك العافيه
فديتكم خواتي الحلوات اشكركم