تخطى إلى المحتوى

سلطنة عمان – أكبر موسوعة عن سلطنة عمان صور وتقارير منها على منطقة صلالة السياحية 2024.

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم

………..

:: جغرافية عُمان السياسية

:: جغرافية عُمان الإستراتيجية

:: عُمان في التاريخ القديم

:: عُمان في النصوص المسمارية

:: ظفار وتجارة اللبان في العصور القديمة‏

:: إسلام أهل عُمان

:: العمانيون والفتوحات الإسلامية

:: العمانيون ربابنة البحار

:: العمانيون دعاة الإسلام في آسيا وإفريقيا

:: الإسطول العماني خلال العصور الإسلامية‏

:: عُمان والدولة الأموية ‏

:: عُمان والدولة العباسية

:: النباهنة حكاماً على عمان

:: قيام دولة اليعاربة 1624م‏

:: جهود الإمام ناصر بن مرشد في إعادة الوحدة الوطنية ‏

:: الإسطول العماني في عصر اليعاربة

:: اليعاربة والعلاقات الدولية‏

:: الإمام أحمد بن سعيد محرر عُمان‏

:: الإمام أحمد بن سعيد ينقذ البصرة من الحصار الفارسي‏

:: السيد سلطان بن أحمد بن سعيد

:: السيد سعيد بن سلطان وتأثيرة في شرق إفريقيا‏

:: الإسطول العماني في عهد السيد سعيد بن سلطان

:: عُمان والولايات المتحدة في عهد السيد سعيد بن سلطان‏

:: أزمة الإمبراطورية العمانية بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان

:: حكم السيد تركي بن سعيد

:: حكم السلطان السيد فيصل بن تركي‏

:: حكم السلطان السيد تيمور بن فيصل‏

:: حكم السلطان السيد سعيد بن تيمور‏

تبرز الأهمية الإستراتيجية لموقع عمان منذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين ‏على خارطة العالم فهي تحتل قلب العالم الإسلامي وعند شواطئها تنتهي ‏الحدود الشرقية للوطن العربي .‏

ومن هذا الموقع الذي يمثل قلب الدائرة عند مدخل الخليج العربي تشترك ‏عمان وإيران في التحكم في مدخل أغنى مناطق إنتاج البترول في العالم وذلك ‏عن طريق مضيق هرمز , الذي يمر به أكثر من 60% من إمدادات العالم ‏النفظية كما يمر به نحو 90% من واردات اليابان النفطية و 70% من ‏واردات السوق الأوروبية المشتركة و50% من إحتياجات الولايات المتحدة ‏الإمريكية .‏

ويمكن تلمس الجوانب السياسية للمكان الجغرافي ضمن ثلاث مراحل في ‏تاريخ عمان :‏

المرحلة الأولى ‏
منذ أوائل التاريخ القديم كانت المناطق المجاورة للأطراف الشرقية والجنوبية ‏الشرقية من شبه الجزيرة العربية مكاناً لنشاط عدة سلطات سياسية , سيطرت ‏على الطرق البرية والبحرية والتجارية التي تنصب إليها أجزاء العالم القديم ‏المعروف في أسيا وإفريقيا وأوروبا .‏

وحينما أصبحت الدولة الإسلامية أكبر دول العالم في العصور الوسطى أخذت ‏أطراف الجزيرة العربية على الخليج العربي وعلى خليج عمان تسترجع ‏مكانتها على طرق التجارة العالمية القديمة .‏

المرحلة الثانية ‏
وهي مرحلة الركود التي تبدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حيث ‏تسببت أحداث كثيرة في تدهور أوضاع المنطقة ومن أهم هذه الأحداث تسلل ‏البرتغاليين وسيطرتهم على البحار الشرقية وهذا أسقطت كل المنطقة بما فيها ‏عمان في ركود طويل نتيجة لفقدان أهميتها المركزية في طرق التجارة ‏العالمية .‏

المرحلة الثالثة : ‏
وهي التي تبدأ منذ منتصف القرن السابع عشر حيث طهرت دولة اليعاربة في ‏عمان ونجحت إلى حد كبير في كسر شوكة العدو الذي لا يقهر بينما راحت ‏قوى أوربية جديدة – الإنجليز والهولنديون والفرنسيون – تتفاعل مصالحهم ‏وتتصادم بهدف التحكم في منطقة الخليج وبلغت هذه التفاعلات درجة كبيرة ‏من التعقد والتشابك .‏

لقد أدركت عمان أهمية موقعها وسط طوفان العلاقات الدولية المتصادمة لذلك ‏سعت من أجل جعل الخليج منطقة سلام وهذه السياسة لم تكن مجرد إستجابة ‏سلبية لأهمية الموقع الجغرافي بل كانت إستجابة لدواعي التنمية والتقدم لذا ‏فقد حرصت عمان على تنمية علاقاتها الدولية من خلال علاقات متوازنة مع ‏جميع دول العالم دون النظر لطبيعة نظمها السياسية والإقتصادية .‏

يصعب فهم مكونات الجغرافية السياسية لعمان دون التعريف بالخطوط ‏العريضة للأرض العمانية التي تشكل المسرح البيئي الذي تجري فوقه ‏الأحداث السياسية وتستأثر البيئة الساحلية بقسط كبير من نشاطات الإنسان ‏العماني فعند سواحل عمان تنتهي كتلة شبه جزيرة العرب التي يسميها البعض ‏كتلة الدرع العربي وعلى مسافة قريبة من الساحل تمتد الشعاب المرجانية ‏الصالحة لوجود محار اللؤلؤ الذي لعب دوراً في التخفيف من حدة المشاكل ‏الإقتصادية لفترة طويلة من الزمن .‏

فإذا ما إنتقلنا إلى بيئة اليابس فهناك بيئات طبيعية تماثل الوجه الأخر من ‏قصة صراع الإنسان العماني مع البيئة وهو يكافح في صنع حياته ومستقبلها ‏‏.‏

وتتكون المناطق الداخلية من عمان من هضبة قديمة يصل إرتفاعها إلى أكثر ‏من 1300م ينتصب وسطها الجبل الأخضر الذي يصل إرتفاع بعض جهاته ‏إلى أكثر من 3000م , وتحدد الأودية التي تتجه من الجنوب الغربي نحو ‏الشمال الشرقي سفوح هذه المناطق المرتفعه المنحدرة بإتجاه السهول الساحلية ‏‏.‏

وتشكل هذه السهول الساحلية مع المناطق الجبلية المرتفعه المجال الواسع ‏الذي يمارس فيه العمانيون نشاطهم الزراعي حيث تسبب الرياح الموسمية ‏الصيفية كمية من الأمطار لا تقل عن 250مم , ولأسباب جغرافية بيئية فقد ‏تركز معظم العمانيون في محافظة مسقط ومنطقة الباطنة إذ يسكنهما ما يزيد ‏قليلاً عن نصف عدد سكان عمان وإذا أضفنا محافظة ظفار كدنا نحصل ما ‏يقل قليلاً عن ثلثي عدد سكان عمان .‏

أما التوزيع الفعلي للسكان في الوقت الحاضر فقط إختلف كثيراً عما كان عليه ‏في الماضي بسبب برامج التنمية التي إستوعبت كل مناطق عمان .‏

ويتميز العمانيون بأنهم من أكثر الشعوب إرتباطاً ببيئتهم وخصوصاً أهل ‏الريف والبادية لذا كانت نسبة سكان الريف حتى مطلع الثمانينات تصل إلى ‏‏75% من مجموع عدد السكان ويبدو هذه النسبة قد إنخفضت مع نهاية ‏الثمانينات بسبب الهجرة الداخلية إلى أن دراسات الاسقاط المستقبلي في ضوء ‏إرتباط العماني ببيئته وفي ضوء مشاريع التنمية للمجتمعات الريفية والبدوية ‏تبين أن هذه النسبة لا تزال 50% في أوائل هذا القرن .

ليس من قبيل المصادفة أن دولاً بذاتها لعبت دوراً حضاريا فاعلاً في عمر البشرية ، ‏بينما دولاً أخرى لعبت دوراَ متواضعاَ , فالموقع الجغرافي لبلد ما يعد محطة لشبكة من ‏العلاقات والقيم الحضارية , وقد إعتبر بعض المؤرخين الموقع بمثابة محظة الموارد ‏الطبيعية للثروة القومية وعدها رأسمالاً طبيعياً وسياسياً أصيلاً .‏

بل أن الموقع الجغرافي يعد في حالات كثيرة الرأسمال الحقيقي لعدد من الدول التي ‏إستثمرت موقعها بجدارة فائقة .‏

وعمان تعد واحدة من الدول التي يصعب فهم تاريخها خارج إطار جغرافيتها , لأن ‏إمكانات الموقع لا تحقق نفسها بنفسها بل من خلال الإنسان , ولأن هذه الإمكانات لا ‏تظهر كاملة كطفرة واحدة وإنما تنمو وتبرز وتتطور في عملية حركية حيث تتفاعل ‏العناصر الجغرافية والتاريخية بحركة منتظمة أحياناً وعشوائية في بعض الأحيان .‏

وهكذا إكتسب موقع عمان أهميته عبر قرون وحقب تاريخية من خلال مراحل محددة ‏ومتميزة كل مرحلة تنكشف فيها طاقات جديدة محصلتها في النهاية رصيد ضخم من ‏التراث الحضاري .‏

وإذا كانت عمان تتميز بموقع جغرافي فريد بحكم تميز حدودها الجغرافية الطبيعية فإن ‏هذا الموقع قد حفظ لها شخصيتها المستقلة وأصبح إتصالها بالبحر من سماتها الواضحه ‏وكان تنوع أقاليمها الجغرافية في مقدمة العوامل التي جعلت من جغرافية عمان رصيداً ‏قومياً ضخماً , فإمتداد السواحل لأكثر من 1700 كيلومتر وتميزها بكثرة الخلجان ‏الطويلة العميقة , وفي الداخل جبال بها سفوح سكنها الإنسان العماني منذ أقدم العصور ‏إلى أودية إنحدرت من هذه الجبال وشكلت منظومة طبيعية إضافة إلى الصحاري التي ‏كانت دائماً متنافساً للقبائل الضاربة في الصحراء .‏

لقد ضمن كل هذا التنوع مساحة من الأرض تقدر بـ 312 ألف كيلومتر مربع , بيد أن ‏عمان الحالية لا تمثل بلاد عمان في السابق , فقد كانت تشمل بعض الأقاليم المجاورة ‏حيث كانت تمتد جنوباً حتى الشحر وغرباً حتى الربع الخالي وتتصل بالبحر من الجهات ‏الشرقية والجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية وتحد من الشمال بالبحرين .‏

لقد كان كل هذا التفرد في الموقع نتيجة هامة حيث سلك العمانيون طريق البحر ونبغوا ‏في ركوبه والاستفادة منه حتى اصبحت بلادهم قاعدة الخليج الأولى التي تتحكم في ‏مداخلة من الجنوب وحلقة الوصل الرئيسية بين عالمين عالم الشرق الأقصى ممثلاً في ‏الهند والصين وجنوب شرق أسيا من جهة وشرق إفريقيا ومصر ومنها إلى غرب ‏أوروبا من جهة أخرى .‏

واللافت للنظر في جغرافية عمان أن إرتباط اليابس بالبحر يعد قاعدة إستراتيجية حيث ‏وجد العمانيون أنفسهم أمام وضع جغرافي جعلهم في حالة من الإستنفار الدائم .‏

لذا فإننا نستطيع ان نقول أن التوازن بين البحر واليابس شكل حلقة من حلقات النضال ‏المتواصل ومن أجل ذلك فقط إرتبط الماء باليابس في منظومة متناغمة شكلت في ‏مجملها كل هذا التراث التاريخي الضخم .‏

وإذا كانت ثمة خاصية واحدة تميز بها موقع عمان الإستراتيجي إستمرت وأصبحت من ‏الثوابت فتلك الخاصية هي إنها كانت دائماً إقليماً فاعلاً , قطب قوة وقلب إقليم , حتى ‏وهي محتلة أو مجزأة فلقد كانت مركز دائرة وليس هامش دائرة أخرى .‏

لا شك إن هذه الخصوصية الجوهرية التي تكاد تنطوي على متناقضات مثيرة لا يمكن ‏إرجاع اسبابها إلا إلى جذور جغرافية أصيلة .‏

والحقيقة المؤكدة في شخصية عمان الإستراتيجية هي إجتماع موقع جغرافي أمثل مع ‏موضع طبيعي مثالي وذلك في توازن وتناغم عجيبين , فإذا كانت الصحراء دائماً من ‏ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي منذرة بالخطر وإستنفار الهمم فإن البحر ‏بغموضه وتحدياته كان يدق من الجانب الآخر , وهكذا عاشت عمان دائماً في حالة من ‏الخطر الذي يتناسب طردياً مع أهمية الموقع إلا إنه خطر من النوع الذي يثير الهمم ‏ويفتق الذهن ويبعد الإنغلاق .‏

وإذا كانت الجغرافية وراء السياسة فلعلها تنفق بشكل لافت مع عمان التي تعكس ‏شخصيتها الإستراتيجية ملامح سياستها الخارجية والداخلية بدقة متناهية بما يؤكد مقولة ‏ديجول الشهيرة ((الجغرافية هي قدر الأمم ‏‎((‎‏ بل هي العامل الثابت في صناعة التاريخ ‏‏, لذا فقد قدر لعمان أن تكون قوة برمائية تضع قدماً على اليابس وأخرى على الماء ‏وتجمع بذلك بين ضفتي قوة البر والبحر بدرجات متفاوتة , لكن في الغالب كان نداء ‏البحر أقوى من جاذبية القاعدة وفي جميع الحالات التي إنطلق فيها العمانيون عبر ‏المحيطات والبحار كأن البحر واليابس يتفاعلان بطريقة متناغمة فاليابس عمقاً ‏إستراتيجياً لتربية الرجال وزراعة الأرض وصنع الحضارة , والبحر مجالاً حيوياً ‏لتصدير تلك الحضارة والقيم الإنسانية .. وهكذا تحققت كل الأعمال الكبيرة حينما إرتبط ‏البحر باليابس وتفاعلا معاً في منظومة جغرافية مثالية لا تتكرر كثيراً .‏

لقد كان تاريخ عمان القديم يكتنفه الغموض إلا بقدر ما تسمح به المصادر العربية ‏القديمة وبعض المصادر الأجنبية من معلومات مشوهة أحياناً وغير حقيقية في كثير من ‏الأحيان .‏

ومنذ عصر النهضة العمانية المعاصرة بدأت البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار تمارس ‏عملها وتوصلت إلى نتائج علمية على درجة كيبرة من الأهمية لعل من أهمها إكتشاف ‏مجتمعات عمرانية وجدت على الساحل العماني الشرقي والغربي ترجع إلى الالف ‏السادسة قبل الميلاد وكشف النقاب عن مجتمعات إخرى في موقع القرم بمسقط تعود إلى ‏الآلف الخامس قبل الميلاد حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمه وأمتعة شخصية تشير إلى ‏ان سكان هذا الموقع كانوا يمارسون حرفة الصيد بينما احترف بعضهم مهنة قنص ‏الغزلان من الوديان في المناطق الداخلية من عمان وعثر على حلي للرجال والنساء بما ‏يؤكد بلوغ درحة ما من التقدم التقني والحضاري .‏

وقد كشفت التقارير العلمية التي نشرت عام 1987م عن محطة التنقيبات الأثرية التي ‏اجريت في المنطقة الوسطى من الباطنة لتؤكد وجود مجتمعات قديمة لها نشاطها ‏الاقتصادي والسياسي المنظم ولها علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى , ففي ‏دراسة نشرها كل من ب كوستا , ت. ج ولكنسن حلو منطقة صحار قدم المؤلفان ‏معلومات وافية عن المجتمعات التعدينية والزراعية والتجارية للمنطقة التتي ترجع ‏أصولها التاريخية إلى مراحل بعيدة من العصور القديمة إمتدت إلى العصور الإسلامية ‏‏.‏

كما قدم الباحثان (كوستا وولكنسن) تقريراً علمياً دقيقاً يؤكد وجود مناطق تعدينية ‏لإستخراج النحاس خلف المنطقة الزراعية بنحو 25 كيلومتراً على سفح جبال الحجر ‏الغربي ودل العثور على آثار حجرية في المنطقة بما يؤكد قيام مجتمعات صغيرة في ‏مطلع الآلف الثالثة قبل الميلاد وقد أكدت الدراسة إستمرار إستغلال هذه المناجم إلى ‏العصور الإسلامية .‏

كذلك أكدت الدراسات البحثية التي أجريت في العراق عن إستخدام النحاس منذ القرن ‏الرابع قبل الميلاد وأضافت هذه الدراسات إنه كان ينقل من عمان عن طريق الرحلات ‏البحرية في الخليج .‏

ومنذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد أخذ إستخدام الحديد ينتشر بصورة متزايدة ‏وبخاصة في صناعة الأسلحة مما قلل من أهمية الطلب على النحاس وشيوع مواد ‏تجارية جديدة مثل اللبان والأفاوية والجمال والخيول , لذا فقد أخذت التجارة العمانية ‏تتجه في معظمها صوب الغرب والشمال لتحدد مع تجارة قوافل جنوب الجزيرة العربية ‏الواسعة فيما عرف بطريق البخور .‏

لقد تضاعفت أهمية تجارة عمان منذ الألف الأولى قبل الميلاد بسبب مقدرة العمانيين ‏على توفير سلع أجنبية للأسواق العربية مثل القرفة التي كان يستوردها العمانيون من ‏الهند ويقومود بنقلها إلى بقية الأسواق العربية , ومما يستلفت النظر إن إسم (مجان) قد ‏أصبح له مدلول جغرافي أوسع خلال الألف الأولى قبل الميلاد , حيث شمل جميع ‏الأقسام الجنوبية من الجزيرة العربية إبتداء من مضيق باب المندب وحتى مضيق هرمز ‏‏.‏

وعموما فإنه مع ضعف الطلب على النحاس وجد العمانيون بديلاً في اللبان والبخور ‏والخيول والمنتجات الهندية والصينية , ومن ثم فقد نشطت تجارة التوابل إضافة إلى ‏الحرف التقليدية التي إمتهنها العمانيون منذ العصور التاريخية القديمة وهي الزراعة ‏وبرعوا في توفير المياه من خلال الأفلاج والعيون وتقدم الدراسات الأثرية الحديثة ما ‏يؤكد مقدرة الإنسان العماني وتفوقه في مهنة الزراعة ومهارته الشديدة في التفنن في ‏إستغلال المياه من خلال شق الأفلاج ويشير القزويني (آثار البلاد وأخبار العباد) إلى أن ‏إرم ذات العماد تقع في منطقة الأحقاف من الجزء الجنوبي الغربي من عمان ثم يقول ‏‏(لقد أجرى الملك إليها نهراً مسافة أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة ‏فأجرى من ذلك النهر السواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي ‏فطليت بالذهب .‏

وعموماً فإن هذه الرواية تقدم دليلاً على تفنن العمانيين في شق الأفلاج بما يؤكد تفاعلهم ‏مع الطبيعة وتفننهم في إستخدامها تحقيقاً لخلق مجتمعات مستقرة لديها من الأنماط ‏الحضارية ما يقيم دليلاً على إنها مجتمعات غاية في القدم .‏

من الحقائق التاريخية أن عمان كانت لها علاقات تجارية ببقية مدن الخليج العربي قبل ‏أن يتكون القسم الجنوبي من العراق في حدود 5000 سنة قبل الميلاد وأن سفناً عمانية ‏كانت تأتي إلى المدن العراقية القديمة وعندما بدأ يتكون هذا القسم وبدأت قراه الزراعية ‏تتحول تدريجياً إلى مدن برزت حاجته إلى الأحجار والنحاس والاحجار الكريمة لذلك ‏بدأت سفن (مجان) تأتي بتجارتها إلى المدن العراقية لبيعها هناك ولهذا السبب فقد سمح ‏حكام جنوب العراق لسفن (ملوخا) و (مجان) و (دلمون) بأن ترسو في موانئهم وتشير ‏النصوص المسمارية إلى أن مدناً عمانية كان لها الباع الطويل في العلاقات التجارية ‏بين العراق وبقية مدن الخليج قبل ظهور النشاط البحري للسومريين ومن أهم هذه المدن ‏‏:‏

‏1.‏ ملوخا : ‏

إن إسم ملوخا في النصوص المسمارية يعني المواد كثيرة النقاوة وهذه التسمية تنسجم ‏إلى حد كبير مع نوعية المواد التجارية التي إستوردها سكان بلاد وادي الرافدين من ‏مدينة ملوخا وهي الأسم القديم لمنطقة رأس الحد حيث ذكر الملك سرجون الأكادي بأنه ‏قد إستورد من ملوخا خشب الساج وحجر المرمر كما ذكر الأمير كوديا (2144/2124 ‏قبل الميلاد) بأنه قد إستورد من ملوخا الأحجار الكريمة والملابس وحجر الأزورد ‏ومعدن النحاس والزنك والذهب وهذه المواد تتميز بالصفاء والنقاء والجودة لذلك سميت ‏هذه المدينة ملوخا أي المواد كثيرة النقاوة .‏

وتؤكد الدراسات المسمارية القديمة أن حجر الأزورد كان ولا يزال موجوداً في ‏أفغانستان وأن العراقيين لم يستوردوا هذا الحجر بأنفسهم وإنما من خلال ملوخا والتي ‏كان يعمل تجارها كوسطاء لتزويد العراق بهذا النوع من الحجر .‏

‏2.‏ مجان :‏
أجمع المتخصصون في الدراسات المسمارية القديمة أن الإسم الحديث لمجان القديمة ‏هو عمان وأن تجار بلاد وادي الرافدين قد إستوردوا من مجان حجر الدايوريت وأن ‏السفن العمانية كانت تجلب هذا الحجر بطلب من التجار العراقيين منذ عام ‏‏2340/2284 ق.م وقد فضله العراقيون على الذهب حيث صنعوا منه الاختام ‏الأسطوانية والأوزان بسبب صلابته الشديدة وندرته في العراق لكي يسدوا الطريق ‏أمام المتلاعبين بالأوزان والأختام , إضافة إلى ذلك فقط قام تجار ملوخا بتوريد ‏الأخشاب إلى العراق حيث يتخارون الأنواع الجيدة وينقلونها من الهند إلى العراق ‏وإن العلامات المسمارية التي كتبت بها مدينة مجان قد أكدت شهرة المدينة بصناعة ‏السفن التجارية لأن إسمها كان يكتب بالعلامتين (ما) التي تعني سفينة و (جان) ‏وتعني هيكل وبذلك يكون معنى الإسم كاملاً هو (هيكل السفينة) ومما يضاعف من ‏هذا الإعتقاد هو إن عمان خلال الفترة العباسية وحتى أوائل القرن التاسع عشر ‏كانت مشهورة بصناعة السفن , وبناء على هذه الحقائق يمكننا القون بأن (مجان) ‏هي التي كانت تزود دلمون (البحرين) بالسفن وتزود غيرها من المراكز التجارية ‏في الخليج العربي خلال العصور القديمة .‏

‏3.‏ جوبن
‏ لقد ورد في كتابات الحاكم كوديا 2144/2123 ق.م إسم مدينة جوبن مباشرة بعد ‏مدينة ملوخا ومجان وذكر بأنها موطن شجر الخالوب (البلوط) وهذا النوع من ‏الأخشاب كان يستورد من مجان لذلك فقد حدد علماء الدراسات المسارية موقع ‏مدينة جوبن في منطقة الجبل الأخضر لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة في ‏جنوب شرق الجزيرة العربية التي تمتلك أشجار يحتاج العراق إلى أخشابها علماً بأن ‏إسم هذه المدينة لم يذكر في المصادر المسمارية التي سبقت فترة حكم الأمير كوديا ‏لذلك فمن المرجح أن هذه المدينة قد بدأت تلعب دورها التجاري في الربع الأخير ‏من الألف التالثة قبل الميلاد وقبل هذا التاريخ كانت مجان تقوم بمهمة تصدير ‏أخشابها .‏

وتؤكد الدراسات المسمارية أن تجارة الخليج العربي في العصور القديمة كانت ‏قاصرة على عمان والعراق أما بقية المدن الأخرى فقد كانت بمثابة محطات لرسو ‏السفن فقط .‏

لعبت ظفار دوراً حضارياً فاعلاً في التاريخ القديم بحكم كونها مصدراً أساسياً للبان ‏والصمغ اللذين كانا في مقدمة السلع التي تحظى بإهتمام كبير في العالم القديم مما أثار ‏أهتمام المؤرخين القدامى منذ عام 400 قبل الميلاد بداية من هيرودوت وبيليني ‏وبطليموس وإنتهاء بأسترابو وديودورس وجميعهم قد خلقوا لنا إنطباعاً عن أهمية اللبان ‏والصمغ في نجارة العالم القديم وقد أجمعوا على ان الطلب على اللبان كان لا يضاهية ‏طلب على أية سلعة تجارية أخرى .‏

وقد كان ميناء رأس قرتاك (جبل القمر) هو الميناء الذي يصدر منه اللبان والصمغ إلى ‏أنحاء متفرقة من العالم القديم أما الطريق البري فقط كان يبدأ من غرب ظفار إلى ‏جنوب الجزيرة العربية ثم شمالاً إلى نجران حتى غزوة ومنها إلى مصر ومن أهم ‏الطرق التي ذكرها الجغرافيون القدامى الطريق الذي يربط ظفار بشرق الجزيرة العربية ‏حتى بلاد سومر في العراق .‏

لقد أشار المؤرخون المسلمون إلى أوبار وحدوداً موقعها شمال ظفار بينما أشار إليها ‏نشوان بن سعيد الحميري وحدد موقعها في المنطقة التي تقطنها قبيلة عاد (المنطقة ‏الشرقية من اليمن) ويبدوا أن (أوبار) أو (وبار) لم تكن إسماً لمدينة وإنما كانت أرضاً ‏واسعة وتحديد موقعها في ظفار سيظل موضع جدل لم يحسم بعد .‏

لم يكتف العمانيون بتصدير اللبان وإنما أضافوا إليه الشحوم وصنعوا منه البخور الذي ‏كان يستخدم في الطقوس الدينية والعلاج والتطيب وشكل هذا المنتج أهمية كبيرة في ‏حركة التجارة خلال العصر الحجري الحديث وتشير الدراسات المسمارية القديمة إلى ‏أن العراق قد أعتمد على اللبان والصمغ الذي يأتي من ظفار ومنذ حوالي 500 عام ‏ق.م كانت طلبات العراق تتزايد على البخور والعطور والصمغ القادم من بلاد ظفار ‏ومنذ عام 2024 قبل الميلاد شهدت المنطقة إنقلاباً هائلا في مناخها حيث أخذت البيئة ‏تتجه نحو التصحر والجفاف مما ألحق ضرراً كبيراً بأشجار اللبان مما دفع سكان ظفار ‏إلى العناية بالجمال وإستئناسها لأستخدامها في تجارة القوافل البرية وقد أثبتت الكشوف ‏الأثرية أن تجارة القوافل البرية صارت حقيقية ثابتة بحلول عام 1500 قبل الميلاد .‏

وبحلول العصر البرونزي والعصر الحديدي أزدهرت منطقة شصر التي شهدت ‏مجتمعات عمرانية هائلة وخلال العصور الوسطى أشارت الكثير من المصادر إلى ‏أهمية شصر ونشاط سكانها في تجارة البخور والخيول ويبدو أن شصر لم تفقد أهميتها ‏التجارية إلا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي حيث هجرها أهلها إلى مناطق ‏أخرى مجاورة .‏

لقد إختلفت الروايات التاريخية حول التحديد الزمني لدخول الإسلام في عمان , فبينما ‏تشير الكثير من المصادر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي بادر بدعوة ‏حكام عمان إلى الإسلام وهما جيفر وعب أبناء الجلندي , بيد أن الذي أختلف عليه ‏المؤرخون هو تحديد الفترة التي بعث فيها الرسول إلى حكام عمان حيث تذكر بعض ‏الروايات ان ذلك قد حدث عام 6 هـ بعد صلح الحديبية إلا أن رواية أخرى تحدد ‏تاريخ المراسلة بعد فتح مكة عام 8هـ وتذهب رواية ثالثة إلى أن ذلك قد حدث عقب ‏حجة الوداع .‏

ويمكن القول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد إهتم بتوسيع رقعة الإسلام عقب فتح مكة ‏وزوال المقاومة القرشية , حيث أصبح الإسلام هو القوة الكبرى في بلاد العرب عنذ ‏ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى ملوك الدول المجاورة ومن هؤلاء ملكا ‏عمان : جيفر وعبد أبناء الجلندي. ‏

وتشير المصادر التاريخية إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل كتاباً مع أبي زيد ‏الأنصاري إلى الجلندي أو إلى جيفر عام 6 هـ ثم بعض بكتاب آخر مع عمرو بن ‏العاص عام 8هـ وكتاباً ثالثاً إلى أهل عمان رواه أبو شداد الدمائي من أهل دما قال : ‏جاءنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعة أدم : ( من محمد رسول الله إلى أهل ‏عمان , أما بعد , فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله , أدوا الزكاة وخطوا ‏المساجد وإلا غزوتكم) . وهناك كتاب أخرى رابع تسلمه عبدالله بن علي الثمالي ومسلية ‏بن هزان , حينما قدما في رهط من قومهما على الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلموا ‏وبايعوا على قومهم وكتب الرسول لهم كتابما بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم .‏

ونتيجة لهذه الكتب ونتيجة لأتصال بعض أهل عمان المباشر بالرسول صلى الله عليه ‏وسلم أفرادا وجماعات إنتشر الإسلام في عمان إنتشاراً واسعاً ساعد على ذلك إن محمد ‏عليه الصلاة والسلام قد جعل حكم عمن بيد أبناء الجلندي في حالة إعتناقهم الإسلام ‏وفوض إبن العاص في جمع الزكاة من أغنياء البلاد وتوزيعها على من يحتاجها من ‏الفقراء والمساكين .‏

وقيل أن وفداً من الأزد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو نعيم عن ‏سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله فلما ‏دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال : ما أنتم ؟ قلنا: مؤمنون , ‏فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال : إن لكل قوم حقيقة , فما حقيقة قولكم وإيمانكم , قلنا: ‏خمس عشرة خصلة , خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها , وخمس أمرتنا أن ‏نعمل بها , وخمس تخلفنا بها في الجاهلية , فنحن عليها إلا أن تكره شيئاً منها فنتركه , ‏فقال عليه الصلاة والسلام: ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ قلنا: ‏أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت, قال : والخمس التي ‏أمرتكم رسلي أن تعملوا بها؟ قلنا: الشكر عند الرخاء والصبر على البلاء ولرضاء بمر ‏القضاء والصدق في مواطن اللقاء وترك الشماته بالأعداء , فقال: حكماء وعلماء كادوا ‏من فقههم أن يكونوا أنبياء , ثم قال: وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصله , إن ‏كنتم كما تقولون فلا تجمعوا مالا تأكلون ولا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا في شئ أنتم ‏عنه غداً زائلون وأتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون , وأرعبوا فيما عليه ‏تقدمون وفيه تخلدون.. فأنصرفوا وقد حفظوا وصيته عليه السلام . لذا فلا عجب أن ‏نجد الرسول الكريم يدعوا لأهل عمان قائلاً: (رحم الله أهل الغبيراء (أهل عمان) أمنوا ‏بي ولم يروني) .‏

وما كانت دعوة الرسول لأهل عمان بالخير إلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد إستوثق ‏من إسلامهم إسلاماً خالصاً مخلصاً من كل شائبة , وتجمع الروايات التاريخية على ان ‏العمانيين قد إستجابوا لدعوة الرسول دون تردد أو خوف وحينما توفي الرسول عليه ‏الصلاة والسلام غادر عمرو بن العاص عمان مطمئنا إلى حسن إسلام العمانيين فعاد ‏إلى المدينة وصحبه وفد من العمانيين كان على رأسهم عبد بن الجلندي أحد ملكي عمان ‏وجعفر بن جشم العتكي وأبو صفرة سارق بن ظالم وعندما قدموا على مجلس أبي بكر ‏الصديق قام سارق بن ظالم وقال: ياخليفة رسول الله ويا معشر قريش هذه أمانة كانت ‏في أيدينا وفي ذمتنا ووديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد برئنا إليكم منها , ‏وخاطبهم الصديق قائلاً: معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم ‏بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب , ولم ترموا بفرقة ولا تشتت ‏شمل , فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح ‏فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي ‏فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم ‏الميعاد ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم ‏بإسلام عبد وجيفر أبني الجلندي وأعزكم الله به وأعزه بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا ‏على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم , جزاكم الله خيراً .‏

والحق أن خطبة أبي بكر الصديق في الوفد العماني هي بمثابة وثيقة خطيرة الشأن في ‏حسن أخلاق العمانيين وكرم وفادتهم وحسن إسلامهم وثباتهم على الحق .‏

ولما توفي الخليفة الأول أبوبكر الصديق رضي الله عنه أقر الخليفة الثاني عمر بن ‏الخطاب عبد وجيفر على عمان ومنحهما الحرية الكاملة ف تصريف شؤون بلادهما ‏الداخلية على أن تبقى في إطار النظام العام للدولة الإسلامية , وبعث عثمان بن أبي ‏العاص الثقفي عاملاً من قبله ليتولى جمع الصدقات والزكاة على أن يترك شؤون عمان ‏الداخلية للأخوين عبد وجيفر أكراماً لهما على حسن إسلامهما .‏

لقد قام العمانيون بدور رئيسي في حركة الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن ‏الخطاب , وكان لهم الفضل في حماية الحدود الجنوبية الشرقية من الدول الإسلامية ‏عندما تصدوا ببسالة لمحاولات الفرس للإستيلاء على بعض مناطق الخليج .‏

وتذكر المصادر أن الخليفة عمر بن الخطاب عقب معركة جلولاء 16هـ/637م أرسل ‏عثمان بن أبي العاص الثقفي لمحاربة الفرس الذي حاولوا عبر الخليج إلى الشاطئ ‏العربي , ولبى العمانيون دعوة الجهاد وأجتمع لعثمان نحو ثلاثة الآلف مقاتل وعبر بهم ‏عثمان من جلفار إلى جزيرة أبن كاوان حيث أجبر قائد حاميتها الفارسي على الإستسلام ‏وأرسل كسرى الفرس إلى واليه في كرما يأمره بالسير لمقاتلة العمانيين وطردهم من ‏الجزيرة ولكنه هزم هزيمة منكرة وقتل قائد الحملة الفارسي وكان هذا الإنتصار حاسماً ‏لدرجة أن الفرس لم يعاودوا المحاولة مره أخرى , ولم تقتصر جهود العمانيين على ‏حماية حدود الدولة العربية الإسلامية من جهة الخليج بل شاركوا في الفتوحات ‏الإسلامية على الجبهة العرافية وبلغ من كثرة الأزد العمانيين أن خصص لهم حي ‏خاص بهم في البصرة بعد إنشاء المدينة في زمن عمر بن الخطاب .‏

ومن عمان إنطلق عثمان بن أبي العاص ليغزو الهند وتشير المصادر التاريخية إلى أن ‏دولة الخلافة وخاصة في العصر الراشدي والأموي قد أعتمدت على عرب عمان في ‏غزو الهند فنجد أسماء كثيرة من العمانيين في قيادة الحملات العسكرية في مكران ‏والسند , بل إن الحملات التي غزت الهند في زمن معاوية بن أبي سفيان قد ضمت ‏كثيراً من العمانيين قاطني البصرة , بل والمثير أيضاً أنه حينما اسند معاوية قيادة تغرة ‏الهند إلى راشد من عمرو الحديدي 48هـ/667م وبوصول راشد إلى هذا الثغر لقي ‏سنان بن سلمة في إشراف من عرب عمان واعجب راشد كثيراً بشخص سنان وأثنى ‏على أخلاقه وتوطدت بينهما صداقة نجم عتها تعاون كامل بين القوات الأموية والقوات ‏العمانية التي كانت تحت قيادة سنان وكانت تقوم بنفس المهمة التي كانت تقوب بها ‏قوات راشد وتمكنت القوات العربية من إجبار سكان جبال الباية من دفع الجزية وحققت ‏نصراً آخر داخل أرض القيقان أسفرت عن كثير من الفيء والغنائم ثم دخلت القوات ‏العربية ولاية سجستان ووقعت معركة غير متكافئة حشد فيها الهنود أكثر من خمسين ‏ألف مقاتل وإستشهد راشد بن عمرو وتولى بعده سنان بن سلمة .‏

وفي الفترة ما بين 65هـ إلى 78هـ ظهرت في منطقة ثغر الهند قوة عربية لا تدين ‏لنفوذ الأمويين وهي قوة معاوية ومحمد أبنى الحارث اللافيين وهما كما ذكر البلاذري ‏من أزد عمان وقد نجحت هذه القوة في السيطرة على مكران والسند على مدى ثلاثة ‏عشرة سنة .‏

وقد شهد ثغر الهند كذلك مأساة أبناء المهلب بن أبي صفرة وأسرته , فتذكر المصادر ‏أنه أثر الصدام بين يزيد بن المهلب بن أبي صفرة والذي كان والياً على العراق ‏وسليمان بن عبدالملك منذ 96هـ/715م وبين جيوش يزيد الثاني بن عبدالملك بن ‏مروان 102/720م فر الناجون من القتل من أبناء المهلب وهم مدرك والمفضل ‏وعبدالملك وزياد ومعاوية ومن بقي من آل مهلب وركبوا البحر إلى قندابيل حالياً جافادا ‏في باكستان ولكن خيانة وداع بن حميد الأزدي عامل الأمويين في قندابين قد أودت بآل ‏المهلب من خلال ملحمة دموية رهيبة .‏

وإذا كان عرب عمان لهم دورهم الكبير في ثغر الهند كمحاربين وبحارة إلا أن دورهم ‏الحضاري كدعاة ومبشرين بالأسلام كان هو الدور الفاعل والهام نظراً لكونهم أكثر ‏التجار المسلمين معرفة بالهند وثقافاتها وأكثر العرب وروداً على هذه البلاد , لذا فقط ‏أقاموا مؤسساتهم التجارية والثقافية ليس في الهند فقط بل في الجزر المحيطة بها مثل ‏سرنديب (سيلان) التي نجح العمانيون في نشر الإسلام فيها منذ وقت مبكر ولولا التدخل ‏البرتغالي مع بداية القرن السادس عشر لكانت هذه الجزيرة قد تحولت جميعها إلى ‏الإسلام كما حدث في جزر المالديف التي عرفها العمانيون منذ فترة مبكرة من التاريخ ‏الإسلامي .‏

لم يتوقف العمانيون عند الهند وسرنديب والمالديف وإنما إمتد نشاطهم التجاري ‏والحضاري عبر خليج البنغال إلى أرخبيل الملايو التي أسماها العمانيون (كله) أو (كله ‏بار) وكانت السفن العمانية تأتي إلى أرخبيل الملايو بقصد التجارة والمرور منها إلى ‏بلاد الصين وأن ميناء كله كان مجمع الأمتعة من أعواد الكافور والصندل والعاج ‏والرصاص والقصدير والأبنوس وورد إشارات كثيرة إلى وصول السفن العمانية إلى ‏سنغفورة أو كما كانت تسمى (صندابور) .‏

لقد نجم عن هذا النشاط العماني أن تكونت جاليات ومدناً عمانية في بلاد الملايو وفي ‏غيرها من جزر الأرخبيل وأمتد النشاط العماني إلى بلاد الصين , حيث وصلت ‏رحلاتهم إلى خانفو (كانتون) وتعاظم دورهم بشكل ملحوظ في القرن الثالث الهجري ‏ووصلوا إلى أقصى شمال الصين إلى مدينة قانصو وبلاد الشيلا التي يعتقد انها كوريا ‏أو اليابان ومن أوائل التجار العمانيين الذي وصلوا إلى بلاد الصين أبوعبيدة عبدالله بن ‏القاسم الذي وصل إلى كانتون حوالي 133هـ/750م والذي يعتبره البعض أول إنسان ‏عماني يصل إلى الصين بينما يعتبره المؤرخون الصينيون أول عربي مسلم يصل إلى ‏هذه البلاد .‏

وكان من مظاهر إرتفاع شأن الإسلام والمسلمين في بلاد الصين ما يرويه لنا إبن ‏بطوطة وكذلك الشريف تاج الدين السمرقندي الذي زار الصين في القرن الرابع عشر ‏الميلادي من إنه رأى المسلمين يحظون بقدر كبير من الإحترام والتقدير لدرجة أنه إذا ‏قتل وثنى صيني مسلماً كان الوثنى يقتل هو وأهل بيته وتصادر أمواله , وإن قتل مسلم ‏وثنياً لا يقتل به بل يطالب بدفع ديته التي كانت لا تزيد عن تقديم حماراً لورثته .‏

وإذا كان العمانيون قد ساهموا بشكل فعال في التمكين للإسلامن في بلاد آسيا فإن ‏العمانيين أيضاً شاركوا في الفتوحات الإسلامية في الجناح الغربي من العالم الإسلامي ‏إذ تذكر المصادر التاريخية إنهم شاركوا في فتوح المغرب والأندلس وقد أفاد معاوية بن ‏أبي سفيان من خبرتهم عند شروعة في إنشاء أسطول بحري وكان لنواخذتهم براعة في ‏قيادة السفن المعروفة بالتيرماهية إلى الهند ومياه بحر الزنج وهذا يفسر إعتماد معاوية ‏بن أبي سفيان على الأزد في قيادة اسطول المسلمين في عهده فظهرت شخصية جنادة ‏بن أبي أمية الأزدي الذي غزا قبرص ورودس وسفيان بن مجيب الأزدي الذي حاصر ‏طرابلس الشام من البحر وتمكن من إفتتاحها سنة ست وعشرين للهجرة .‏

لقد كان الموقع الجغرافي العام الذي تشغله عمان أعظم الأثر فيما أحرزه الملاحون ‏العمانيون منذ أقدم العصور التاريخية من شهرة بحرية , ذلك أن هذا الموقع ما بين ‏مخرج الخليج العربي ومدخل بحر الهند الأعظم على الطريق التجاري الرئيسي المؤدي ‏غرباً إلى السواحل الشرقية لأفريقيا وشرقاً إلى الهند وماليزيا والصين ونظراً لصعوبة ‏الإتصال بالبر بالمناطق المجاورة كالبحرين وحضرموت لذا فقد تطلع العمانيون نحو ‏البحر .‏

وقد سعى العمانيون للحصول على الرزق لذا فقد إرتادوا البحار سعيا وراء التبادل ‏التجاري مع الشعوب المجاورة ويعتبر البحارة العمانيون في طليعة رواد البحار ‏والمحيطات منذ العصور التاريخية القديمة وكانوا من أوائل الشعوب القديمة التي ‏إستخدمت الصاري والشراع لذا فلا غرابة أن تصف المصادر السومرية القديمة أهل ‏عمان برواد الملاحة البحرية , وكان السومريون يطلقون على بلاد عمان قبل أربعة ‏الآف سنة إسم مجان كما ورد ذكرهم كبنائين للسفن في عهد شلجى حوالي 2050 قبل ‏الميلاد .‏

وتشير المصادر التاريخية القديمة إلى أن العمانيين مع نهاية القرن الثالث قبل الميلاد قد ‏تملكوا أعظم أسطول بعد قرطبة وكان وسيلة فاعلة في نقل حضارة ميناء بابل وسومة ‏إلى الهند وفارس وعن تلك الحضارات أخذ الهنود علوم الفلك والفلسفة والرياضيات ‏والتنجيم وكل معالم الحضارة والتقدم , وكان ذلك قبل العصور اليلينستية بعدة قرون .‏

لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا أن قوة عمان تاريخياً من قوة بحريتها والعكس وقد ‏ورد في كتابات بطليموس عن عمان أن مجدها وشهرتها التي كانت مصدر فخرها إنما ‏جاءت عن طريق ما كانت تقوم به من نشاط بحري وملاحي وليس عن طريق النشاط ‏البري .‏

لقد سعى الفرس لمنافسة العمانيين في عهد دارا الكبير 521-485 قبل الميلاد , إلا أن ‏العمانيين بما إتصفوا به من عزيمة وتصميم قد تصدوا لهذه المحاولات وأفشلوا خطط ‏الفرس كما لم يؤثر على نشاطهم البحري إكتشاف ملك مصر اليليني للطريق البحري ‏المباشر بين مصر والهند إعتماداً على الرياح الموسمية .‏

وعندما ظهر الرومان كقوة عالمية ما بين عام 50 إلى 200م لم يؤثر ذلك كثيراً على ‏نشاط البحرية العمانية وبظهور الدولة الساسانية في فارس عام 225م دخلت في منافسة ‏مع البحرية العمانية فأسسوا إسطولاً قوياً إحتلوا به أجزاء من شرق وجنوب الجزيرة ‏العربية ومنها عمان إلا أن العمانيين تصدوا لهم بعد أن أستعادوا قوتهم ثم تعقبوهم على ‏الشواطئ الفارسية وإحتلوا السواحل والمناطق الجنوبية عنها .‏

ومع نهاية القرن السادس الميلادي ظهرت قوة بحرية مؤلفة من الفرس والأحباش ‏واليونان والصومال بهدف تنحية العمانيين عن السيادة البحرية مما دفع بالعمانيين ‏للتصدي لهذه القوة وخاصة الأحباش الذين كانوا يحتلون اليمن وتمكن العمانيون من ‏إنزال هزائم متكررة بهذه القوى نجم عنها عودة السيادة العمانية على البحار الشرقية .‏

كذلك يرجع إلى العمانيين الفضل في إنشاء أول قوة بحرية إسلامية في الأندلس تعمل ‏لحسابها الخاص بالجهاد البحري أو بالتجارة ما بين المغرب والأندلس في وقت لم يكن ‏الأمويون في الأندلس قد إصطنعوا سياسة بحرية فقد كان معظم طوائف البحريين الذين ‏يرابطون على السواحل الشرقية للأندلس ما بين طرطوشة في الشمال والمرية في ‏الجنوب ويغزون في البحر التيراني ينتسبون إلى الأزد ومنهم بني الأسود .‏

وتشير المصادر التاريخية إلى أن ربابنة البحار من العمانيين كانت لديهم معرفة وافية ‏بالبحار والمحيطات سواء في البحار الشرقية التي خاض العمانيون بسفنهم مياهها على ‏الرغم من خطورة أمواجها ومضايقها الجبلية أو المياه الغربية , فقد كان الخليج العربي ‏يتصل بماأسماه العمانيون بالبحر البربري أو بحر الزنج الذي ينتهي جنوباً بجزيرة قنبلو ‏وبلاد سفالة والواق واق من أقاصي أرض الزنج وقد وصل العمانيون بسفنهم التجارية ‏إلى الساحل الشرقي لإفريقيا وإعتادوا الإبحار في البحر البربري وفي ذلك يقول ‏المسعودي ((أهل المراكب من العمانيين يقطعون هذا الخليج إلى جزيرة قنبلو من بحر ‏الزنج وفي هذه المدينة مسلمون بين الكفار من الزنج والعمانيون الذين ذكرنا من أرباب ‏المراكب يزعمون أن هذا الخليج المعروف بالبربري وهم يعرفونه ببحر بربري وبلاد ‏جفوني )). وفي موضع أخر من مروج الذهب يقول المسعودي ((هؤلاء القوم الذي ‏يركبون هذا البحر أي بحر الزنج من أهل عمان من الأزد )).‏

ويؤكد المسعودي في أكثر من موضع في كتابه على مهارة نواخذى عمان ومقدار ‏سيادتهم على بحر الصين والهند والسند والزنج واليمن والقلزم والحبشة , لقد كان يربط ‏بين قنبلو وصحار مباشرة طريق ملاحي هو نفس الطريق الذي سلكه المسعودي في ‏رحلته وكانت الرياح تدفع السفن أحياناً بعيداً عن قنبلو فتتجه رأساً إلى الساحل الإفريقي ‏‏.‏

يقال أن أول بعثة إسلامية وفدت على الصين كانت في عهد الرسول صلى الله عليه ‏وسلم وكانت تتألف من ثالثة أشخاص توفي منهم إثنان أما الثالث فقد أرسى أول مسجد ‏في الصين عرف بمسجد الذكرى كما أقيم في خانقو أول مسجد سنة 6هـ 627م كان ‏يسمى مسجد المنارة المنورة وبذلك يكون قد إنشئ بعد مسجد قباء بالمدينة المنورة ‏بخمس سنوات .‏

ويذكر الصينيون أنفسهم بأن بداية إنتشار الإسلام بينهم كان في عهد الملك الصيني تاتي ‏نسونغ 6-30هـ فقد دخل الصين في عهده رجل من ال البيت كان أبناء لحمزة عم ‏الرسول صلى الله عليه وسلم يصحب معه ثلاثة الآف مهاجر .‏

ويقال أن الخليفة عثمان بن عفان قد وصلت إلى الصين في عهد الرسول عليه السلام أو ‏في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه إلا أن من الثابت أن التجار العمانيين قد لعبوا ‏دوراً هاماً في نشر الإسلام بين الصينيين حيث إرتبط الإسلام بالتجارة وإرتبطت ‏التجارة بالدين وكان التاجر العماني يخرج في سفينته ويغيب سنوات عديدة إلى أن يعود ‏إلى بلاده ثانية .‏

وقد وصلتنا أسماء بعض التجار العمانيين الذين إرتحلوا إلى هؤلاء أبو عبيدة عبدالله بن ‏القاسم الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة وقد عاش في الصين ‏سنوات طويلة إلى أن عاد إلى عمان وبعده بقليل وصل إلى الصين سرجل عماني آخر ‏هو النضر بن ميمون كان يعيش قبل ذلك في البصرة وهؤلاء وأمثالهم قد أقاموا في ‏الصين فترات طويلة بسبب نشاطهم التجاري مما إضطرهم في أحيان كثيرة إلى التزوج ‏من صينيات مما ساعد كثيراً في نشر الإسلام .‏

أما الهند فقط ساهم العمانيون في فتحها بحراً منذ منتصف العقد الثاني للهجرة حيث ‏قادهم عثمان بن أبي العاص الثقفي والي عمان والبحرين وأغار على سواحل الهند عند ‏تانه كما وجه أخاه المغيرة إلى خور الديبل عند مصب السند عام 15هـ كذلك قام ‏العمانيون بالتصدي للقراصنة الهنود على السواحل الإسلامية وفي جنوب شرق آسيا ‏كان التجار العمانيون يقيمون في المدن الكبرى ويؤسسون المراكز التجارية الهامة مما ‏أتاح لهم فرصة الإحتكاك المباشر بأهل البلاد ولم ينشر التجار العمانيون الإسلام في ‏أرخبيل الملايو فحسب وإنما وصلوا بتجارتهم وإسلامهم إلى جزر الهند الشرقية وتذكر ‏المصادر إن شيخاً عمانياً عاش في بلاد الزنج (سومطرة) وتمكن بحكمته وبعد نظره من ‏أن يجبر ملكها على أن يعامل المسلمين معاملة خاصة .‏

وقد عثر في شبه جزيرة الملايو على مابر قديمة للمسلمين تحمل نقوشاً عربية ‏وخصوصاَ في جاوه يرجع تاريخ هذه النقوش إلى عام 475هـ أما المليبار فقد عرفت ‏الإسلام عن طريق جماعة من التجار المسلمين في عام 200هـ , يقال أنهم من عمان ‏وحضرموت وقد أسلم ملكها وتوفي أثناء عودته لبلاده من رحلة إلى الحجاز ودفن ‏بظفار ويذكر أبن بطوطة إنه شاهد أثناء زيارته لمدينة فندرينا بالمليبار سنة 742هـ ‏ثلاثة مساجد مقامة بها وكان قاضيها وصاحب الصلاة فيها رجل من أهل عمان , وكما ‏إنتشر الإسلام في هذه البلدان على يد تجار كان أغلبهم من التجار العمانيين فإنه إنتشر ‏أيضاً في شرق إفريقيا بنفس الإسلوب .‏

لقد إرتبطت عمان بشرق إفريقيا تجارياً منذ عصر ما قبل الإسلام وأقام العمانيون العديد ‏من المراكز التجارية ويؤكد مؤلف الدليل الملاحي للبحر الإريتري كثرة السفن العربية ‏القادمة من شبة الجزيرة العربية وخصوصاً من عمان على الساحل الشرقي لإفريقيا كما ‏يتحدث عن إختلاط العرب وتزاوجهم من القبائل الإفريقية لم يتوغل العمانيون كثيراً قبل ‏الإسلام داخل اليابس الإفريقي فقد إكتفوا بالإستقرار على سواحلها الشرقية وإقامة ‏المراكز التجارية وعملوا على مقايضة الأفارقة فكانوا يحملون إليهم منتجات الهند ‏والصين في مقابل العاج والذهب وبقيام الدولة الإسلامية تغير الوضع فقد مر أهل عمان ‏في العصرين الأموي والعباسي بظروف سياسية قاسية دفعتهم إلى الهجرة إلى شرق ‏إفريقيا والإستقرار هناك وبناء إمارات عمانية إسلامية .‏

ويسجل مطلع القرن السابع الهجري هجرات عمانية جماعية إلى شرق إفريقيا قاد هذه ‏الهجرات التي تعد من أكبر الهجرات العمانية سليمان بن سليمان من مظفر النبهاني ‏وأستقبله العرب في بات إستقبالا رائعاً وتزوج سليمان بن أميرة سواحيلية هي إبنة الملك ‏إسحاق من سلالة الشيرازيين من مملكة كلوه , وتنازل إسحاق عن الحكم لسليمان الذي ‏أصبح أول حكام أسرة بني نبهان في الساحل الشرقي لإفريقيا وضمت مملكته قسمايو ‏وبراوه ومقديشيو وظلت هذه الأسرة تتعاقب الحكم حتى عام 1157هـ/1745م .‏

ويسجل التاريخ للعمانيين الفضل الأعظم في صهر الأجناس المتعددة التي كان يتكون ‏منها المجتمع في ساحل شرق إفريقيا في بوتقة الحضارة الإسلامية فبتزاوج العمانيين ‏المهاجرين بأهل البلاد من الإفريقيات إمتزجت الدماء والنظم والأذواق إمتزاجاً ظهرت ‏آثاره في أجيال يتسم أفرادها بسمات عقلية وجسمانية قريبة الشبه بالملامح العمانية ‏وعرف هذا العنصر الجديد بالعنصر السواحيلي الذي كان يتكلم باللغة السواحيلية ويدين ‏بالإسلام عقيدة وإسلوب حياة .‏

وإذا كان العمانيون لم يتوغلوا كثيراً داخل القارة الإفريقية في عصر ما قبل الإسلام كما ‏سبق القول إلا إنه من الملاحظ إنه منذ العصر الإسلامي والعمانيون يمتدون في عمق ‏القارة الإفريقية ونتيجة لذلك إنتشر الإسلام بين قبال الجلا الذين إستوطنوا الحبشة ولم ‏يتوقف المد الإسلامي الذي راح ينتشر حتى منطقة البحيرات الإستوائية من خلال توافد ‏العمانيون والحضارمة حتى شاع المثل السواحيلي القائل (إذا دقت الطبول في زنجبار ‏تراقص الناس طرباً في البحيرات الإستوائية ) .‏

ويسجل البرتغاليون تلك المظاهر الحضارية الرائعة التي وجدوها على ساحل إفريقيا ‏أثناء مقدمهم مع بداية القرن السادس عشر حيث يعترف الرحالة البرتغالي دوراراث ‏باربوسا قائلاً : ما إن وصلت سفن فاسكودي جاما إلى سفالة حتى فوجئت بما لم أكن ‏أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن كخلايا النحل ومدناً ساحلية عامرة بالناس وعالما تجارياً ‏أوسع من عالمنا كما وجدنا من البحارة العرب رجالاً عبروا المحيط الهندي ويعرفون ‏دقائق مرافئه وسجلوا هذه الدقائق في خرائط متقنه لا تقل فائدة عما كانت تعلمه أوروبا ‏‏.‏

وإذا كان إنتشار الإسلام هو أهم النتاج التي حققها الوجود العماني في شرق إفريقيا إلا ‏أن نتائج رائعة تحققت في المجالين الإقتصادي والإجتماعي وشاعت الطرز الفنية ‏الإسلامية في المنشآت المعمارية والزخارف والنقوش .‏

ومن الملاحظ أن حركة إنتشار الإسلام في المناطق الداخلية إزدادت قوة مع نهاية ‏العصور الوسطى عندما بدأ الغزو البرتغالي للمنطقة فقد ترك المسلمون السواحل أمام ‏العمليات الوحشية التي مارسها البرتغاليون ولجأوا إلى الداخل مما ضاعف من نشر ‏الإسلام بين القبائل الإفريقية .‏

ومع منتصف القرن الثامن عشر وخصوصاً في عصر الدولة البوسعيدية راح الإسلام ‏ينتشر لأول مرة في مناطق جديدة في أوغندا وأعالي نهر الكونغوا ورواندا وبوروندي ‏فضلاً عن المناطق الداخلية في تنجانيقا وخصوصا منذ أن أصبحت زنجبار مركز ‏إشعاع إسلامي وحضاري منذ أن إتخذها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي حاضرة ‏الحكم العماني في شرق إفريقيا عام 1238هـ/1832م .‏

وعن هذه النقلة الحضارية الهائلة في شرق إفريقيا يحدثنا أحد العاملين في حقل الدعوة ‏الإسلامية عن إنطباعاته حينما زار شرق إفريقيا في عام 1392هـ/1973م فيقول : ما ‏يزال الإسلام هو الدين السائد في زنجبار كلها التي تتميز عن سائر مقاطعات شرق ‏إفريقيا بظاهرتين أولها بروز المظاهر الإسلامية في شتى أنحاء الجزيرة وثانيهما الطابع ‏العربي في مظاهر المدينة الخارجية كالمباني والطرقات ويعود ذلك إلى أصالة الإسلام ‏في سكانها بصورة تكاد تشمل جميع السكان على إختلاف أجناسهم ومما يعني عن ‏الإسهاب أن زنجبار وشقيقتها بيمبا تضمان على صغرهما 375 مسجداً أي أن لكل مائة ‏شخص مسجد واحداً بإستثناء النساء وقد كانت زنجبار وفي زمن ليس ببعيد منتدى ‏إفريقيا الشرقية فقد كانت تلقى الدروس في أورقة المساجد على يد نخبة من الرجال ‏الافذاذ الذين بلغوا أعلى المستويات العلمية .‏

لقد إنتشر الإسلام في عهد البوسعيدين عن طريق قوافل التجار العمانيين القادمين من ‏زنجبار والمدن الساحلية الأخرى ومن أهم الدعاة العمانيين الذين أوصلوا الإسلام إلى ‏أوغندا الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري الذي وصل من زنجبار إلى بلاط الملك سنا في ‏مملكة بوغندا ويعتبر وصول هذا الداعية العماني بداية لدخول الإسلام إلى أوغندا .‏

وتشير المصادر المحلية والأجنبية إلى موقف الشيخ أحمد العامري من الممارسات ‏الهمجية والوحشية التي كانت تتمثل في قتل وسفك دماء الأبرياء من رعايا ملك بوغندا ‏تمشيا مع الطقوس الوثنية الأفريقية التي كان يعتنقها أهل بوغندا وعلى رأسهم الكباكا ‏وهو الملك . وتصادف أثناء وجود الشيخ أحمد العامري أن أصدر الملك أوامره بالقيام ‏بهذه المذبحة فما كان من الشيخ أحمد إلا أن وقف متحدياً وسط دهشة الحضور مخاطباً ‏الملك قائلاً (إن هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات ‏الله سبحانه وتعالى الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة ).‏

وكانت دهشة الحاضرين أقوى عندما تميز الملك بضبط النفس وأجاب الشيخ أحمد بأن ‏آلهته هي التي منحته هذه المملكة ودار حوار طويل قلب تفكير الملك لدرجة إنه طلب ‏من الشيخ أحمد أن يعلمه شيئاً من الإسلام وتشير المصادر بأن الشيخ أحمد إستطاع أن ‏يعلمه أربعة أجزاء من القرآن الكريم بعد أن أعلن الرجل إسلامه وهكذا إنفتح الباب ‏على مصراعيه ليمهد الطريق أمام إنتشار الإسلام في أوغندا والمناطق المجاورة .‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.