قوله تعالى: ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) الآية 73.
قال عطاء عن ابن عباس: نـزلت في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه شططا وقالوا: متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة شجرها وطيرها ووحشها، وأكثروا في المسألة فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم، فأقبلوا يكثرون مسألتهم وقالوا: إنا نحبّ أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل: الله أمرني بذلك، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وداخلهم الطمع، فصاح عليهم عمر: أما ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عن جوابكم كـراهية لما تجيئون به؟ وقـد همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير: قال المشركون للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: لا نكـفّ عنك إلا بأَن تلم بآلهتنا ولو بطرف أصابعك، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ما علي لو فعلت والله يعلم أني كاره"، فأنـزل الله تعالى هذه الآية: ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) إلى قوله ( نَصِيرًا ).
وقال قتادة: ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه، فقالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله تعالى عن ذلك، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ( وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ ) الآية 76.
قال ابن عباس: حسدت اليهود مقام النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا: إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام، فإن كنت نبيًّا فالحق بها فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك، فوقع ذلك في قلبه لما يحب من إسلامهم، فرحل من المدينة على مرحلة، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عبد الرحمن بن غنم: إن اليهود أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقًا أنك نبي الله فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر والمنشر وأرض الأنبياء، فصدق ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنـزل الله تعالى وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ ).
وقال مجاهد وقتادة والحسن: هم أهل مكة بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فأمره الله تعالى بالخروج وأنـزل عليه هذه الآية إخبارًا عما هموا به.
قوله تعالى: ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ) الآية 80.
قال الحسن: إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ويخرجوه من مكة أراد الله تعالى بقاء أهل مكة، وأمر نبيه أن يَخرج مهاجرًا إلى المدينة، ونـزل قوله تعالى: ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ).
قوله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) الآية 85.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن بشر بن العباس قال: أخبرنا أبو لبيد محمد بن أحمد بن بشر قال: حدثنا سويد، عن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكئ علي عسيب، فمرّ بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون؛ فأَتاه نفر منهم فقالوا له: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت ثم قام، فأمسك بيده على جبهته، فعرفت أنه ينـزل عليه، فأَنـزل الله عليه: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ) رواه البخاري ومسلم جميعًا عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، عن الأعمش.
وقال عكرمة عن ابن عباس: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فنـزلت هذه الآية.
وقال المفسرون: إن اليهود اجتمعوا فقالوا لقريش حين سأَلوهم عن شأن محمد وحاله سلوا محمدًا عن الروح، وعن فتية فقدوا في أول الزمان، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها، فإن أجاب في ذلك كله فليس بنبيّ، وإن لم يجب في ذلك كله فليس بنبيّ، وإن أجاب في بعض ذلك وأمسك عن بعضه فهو نبي فسألوه عنها، فأنـزل الله تعالى: في شأن الفتية: ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ ) إلى آخر القصة وأنـزل في الرجل الذي بلغ شرق الأرض وغربها: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ) إلى آخر القصة. وأنـزل في الروح قوله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ).
مشكورة غناتي