تخطى إلى المحتوى

مطوية و بحث عن الرشوة 2024.

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه أو يسمعه من إخواني المسلمين، سلك الله بي وبهم صراطه المستقيم، ووقاني وإياهم عذاب الجحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فإن مما حرمه الإسلام، وغلظ في تحريمه: الرشوة، وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسؤول عنها قضاؤها بدونه. ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد.
وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته: ( أن ط§ظ„ط±ط´ظˆط© هي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد ). وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالاً أو منفعة يمكنه منها أو يقضيها له. والمراد بالحاكم: القاضي وغيره، وكل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي، سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم، والمراد بالحكم للراشي وحمل المرتشي على ما يريده الراشي تحقيق رغبة الراشي ومقصده، سواء كان ذلك حقاً أو باطلاً.
والرشوة – أيها الإخوة في الله – من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، ولعن رسوله البرونزية من فعلها، فالواجب اجتنابها والحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها، لما فيها من الفساد العظيم، والإثم الكبير، والعواقب الوخيمة، وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل: البرونزية وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ البرونزية[المائدة:2].
وقد نهى الله عز وجل في أكل أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه: البرونزية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ البرونزية [النساء:29]. وقال سبحانه: البرونزية وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البرونزية [البقرة:188]. والرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل؛ لأنها دفع المال إلى الغير لقصد إحالته عن الحق، وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة، وهم: الراشي والمرتشي والرائش: وهو الوسيط بينهما، فقد قال البرونزية: { لعن الله الراشي والمرتشي والرائش } [رواه أحمد والطبراني].
واللعن من الله هو: الطرد والإبعاد عن مظان رحمته، نعوذ بالله من ذلك، وهو لا يكون إلا في كبيرة، كما أن الرشوة من أنواع السحت المحرم بالقرآن والسنة، فقد ذم الله اليهود وشنع عليهم لأكلهم السحت في قوله سبحانه: البرونزية سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ البرونزية [المائدة:42] وكما قال تعالى عنهم: البرونزية وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ البرونزية [المائدة:63،62]. وقال تعالى: البرونزية فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ البرونزية [النساء:160].
وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم وبيان عاقبة مرتكبيه منها: ما رواه ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي البرونزية قال: { كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به } قيل: وما السحت؟ قال: { الرشوة في الحكم } وروى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص البرونزية قال: سمعت رسول الله البرونزية يقول: { ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أُخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أُخذوا بالرعب }. وروى الطبراني عن ابن مسعود البرونزية قال: ( السحت: الرشوة في الدين ). وقال أبو محمد موفق الدين ابن قدامة رحمه الله في المغني: قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: البرونزية أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ البرونزية [المائدة:42] هو الرشوة، وقال: إذا قَبِل القاضي الرشوة بلغت به الكفر؛ لأنه مستعد للحكم بغير ما أنزل الله البرونزية وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ البرونزية
روى مسلم عن أبي هريرة البرونزية قال قال رسول الله البرونزية: { إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: البرونزية يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا البرونزية [المؤمنون:51]. وقال تعالى: البرونزية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ البرونزية [البقرة:172]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له }.
فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا سخطه، وتجنبوا أسباب غضبه فإنه جل وعلا غيور إذا انتهكت محارمه، وقد ورد في الحديث الصحيح: { لا أحد أغير من الله }. وجنبوا أنفسكم وأهليكم المال الحرام والأكل الحرام، نجاة بأنفسكم وأهليكم من النار التي جعلها الله أولى بكل لحم نبت من الحرام كما أن المأكل الحرام سبب لحجب الدعاء وعدم الإجابة لما مر من حديث أبي هريرة عند مسلم، ولما رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تُليت عند رسول الله البرونزية هذه الآية: البرونزية يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا البرونزية [البقرة:168]. فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال النبي البرونزية: { يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يقبل الله منه عملاً أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به } ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم من رواية الطبراني رحمه الله. فدل ذلك على أن عدم إطابة المطعم وحلية المأكل مانع من استجابة الدعاء، حاجب عن رفعه إلى الله، وكفى بذلك وبالاً وخسراناً على صاحبه نعوذ بالله من ذلك. وقد دعاكم الله إلى وقاية أنفسكم وأهليكم من النار، والنجاة بها من عذاب الله وأليم عقابه، حيث قال سبحانه وتعالى: البرونزية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ البرونزية [التحريم:6]. فاستجيبوا أيها المسلمون لنداء ربكم وأطيعوا أمره واجتنبوا نهيه، واحذروا أسباب غضبه، تسعدوا في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: البرونزية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ البرونزية [الأنفال25،24].
والله المسؤول أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن المتعاونين على البر والتقوى، الملتزمين بكتاب الله، وسنة رسول الله البرونزية، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وسئل سماحته: ما هي آثار الرشوة على عقيدة المسلم؟
فأجاب: الرشوة وغيرها من المعاصي تضعف الإيمان وتغضب الرب عز وجل، وتسبب تسليط الشيطان على العبد في إيقاعه في معاصٍ أخرى، فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الرشوة ومن سائر المعاصي مع رد الرشوة إلى أصحابها إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك تصدق بما يقابلها عن صاحبها على الفقراء مع التوبة الصادقة، عسى الله ن يتوب عليه. [كتاب الدعوة، ص 157].
وسئل سماحته: ما آثار الرشوة على إفساد مصالح المسلمين وسلوكهم وتعاملهم؟
فأجاب: من آثار الرشوة على مصالح المسلمين ظلم الضعفاء وهضم حقوقهم أو إضاعتها أو تأخر حصولها بغير حق بل من أجل الرشوة، ومن آثارها أيضاً فساد أخلاق من يأخذها من قاضٍ وموظف وغيرهما وانتصاره لهواه، وهضم حق من لم يدفع الرشوة أو إضاعته بالكلية مع ضعف إيمان آخذها وتعرضه لغضب الله وشدة العقوبة في الدنيا والآخرة، فإن الله سبحانه يمهل ولا يغفل، وقد يعاجل الظالم بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة، كما في الحديث الصحيح عن النبي البرونزية أنه قال: { ما من ذنب أجدر عند الله من أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم }.
ولا شك أن الرشوة وسائر أنواع الظلم من البغي الذي حرمه الله، وفي الصحيحين عن النبي البرونزية أنه قال: { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته } ثم تلى النبي البرونزية قوله تعالى: البرونزية وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ البرونزية [هود:102] [كتاب الدعوة، ص 156].
وسئل سماحته: كيف يكون حال المجتمع حين تنتشر فيه الرشوة؟
فأجاب: لا شك أن المعاصي إذا ظهرت تسبب فرقة المجتمع وانقطاع أواصر المودة بين أفراده، وتسبب الشحناء والعداوة وعدم التعاون على الخير، ومن أقبح آثار الرشوة وغيرها من المعاصي في المجتمعات ظهور الرذائل وانتشارها، واختفاء الفضائل، وظلم بعض أفراد المجتمع فيما بينهم للبعض الآخر بسبب التعدي على الحقوق بالرشوة والسرقة والخيانة والغش في المعاملات وشهادة الزور ونحو ذلك من أنواع الظلم والعدوان، وكل هذه الأنواع من أقبح الجرائم. ومن أسباب غضب الرب، ومن أسباب الشحناء والعداوة بين المسلمين، ومن أسباب العقوبات العامة كما قال البرونزية: { إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه } [رواه أحمد بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه] [كتاب الدعوة، ص 155].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

البرونزية

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.