الجمال سمة واضحة في الصنعة الإلهية , فحيثما إتجهت ببصرك فثمة هناك ما يجذبك فينعشك , أو ينبهك فيدهشك , فالجمال موجود ولكن ألفة الناس لهذا ط§ظ„ط¬ظ…ط§ظ„ جعلها عادية وأن الجمال أصل في الكون ويسير معنا في التيار فهو غير مرئي إلا لمن ينتبه له , فالجمال فينا ومن حولنا يظهر ذلك باستيقاظ النفوس لترى هذا الجمال , والقرآن يدعونا لذلك بإشاراته الإبداعية في آياته القرآنية , وصوره الجمالية في سوره القرآنية .
تأمل الليل الهادي وصفاء السماء وتلألؤ النجوم , تأمل القمر وضياءه الفضي ينساب في كل الجنبات
, تأمل الشمس وإشراقاتها وهي تلامس خيوطها الذهبية تلك اللآلئ البراقة من الندى , تأمل الورود وهي تتفتح عن ألوانها وأريجها , وعن تلك الفراشات السابحة , وعن خرير المياه المتدفق الرقراق وانسياب الأنهار .
كيف تتهادى وسكظ النجوم ؟
تأمل خيوط الحرير , وصلابة الصخور والإنسان المتأمل , ترى الإعجاز في الكامن والكائن , والقرآن الكريم يسجل هذه اللحظات الجمالية لبديع صنع الخالق في قوله تعالى : (الذي أحسن كل شئ خلقه) (السجدة7).
والإحسان بلوغ الغاية في أداء المهمة التي أعد لها لهذا الشئ وهو في الوقت نفسه تأكيد للجانب التحسيني والجمالي , ما يؤكد أن الجمال ظ…ظ‚طµظˆط¯ في (أحسن كل شئ ) ولو لم يكن الأمر كذلك لكان في قوله : ( صنع الله الذي أتقن كل شئ) (النمل 88) و ما يفي بالمقصود , إلا أن الإتقان أيضا يعني التحسين والتجميل ومع ذلك قال : (كل شئ) تأكيد على عموم هذا الأمر ولتأكيد هذا المعنى مضاف إليه التحدي والإعجاز يؤكد القرآن بقوله : (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه).
إن عنصر الجمال لمقصود قصدا في هذا الوجود , فإتقان الصنعة يجعل كمال الوظيفة في كل شئ , يصل إلى حد الجمال , (فالكون يدور على ساعة منضبطة على أجزاء من الثانية فكل الكائنات من الذرة إلى المجرة لها دوراتها وحركاتها المحسوبة , وكل الأنفس لها أنفاسها المعدودة لأماكن محدودة , فالكون كله منضبط على نبضات محسوبة ومعدودة داخل الدائرة الكربونية على مسافات الومضات الكونية من خلال سرعاتها الضوئية , وهي في تسبيحها تسبح وتسبح لمبدعها وخالقها من خلال إيقاعاتها الخاصة مستمدة أنشودتها من الأنشودة الكونية الخالدة ومن خلال الإيقاعات الجمالية الصادرة منها) .
أنظر إلى ذرة من الثلج تحت لمجهر , تر بناءا هندسيا هو الجمال بعينه , وأشياء مجهرية أخرى ترى جمالا هندسيا ولوحات تجريدية متناسقة , وقد كانت العين عاجزة عن الكشف عنها إلا بالمجاهر الألكترونية , وهذا الجمال كان موجودا وهو أصل في بناء ط§ظ„ط®ظ„ظ‚ ولهذا أقسم رب العزة بما نبصره وما لا نبصر في قوله تعالى : (فلا أقسم بما تبصرون , وما لا تبصرون) (الحاقة 38-39) , فما نبصر وما لا نبصر من خلق الله وهذا القسم تأكيد لقوله تعالى : ( كل شئ) .
الجمال في الكون :
يتحدث القرآن عن السماء لا ينفي الخلل فحسب إنما يتحدى الناظرين , بل وتكرار النظر زيادة في التحدي وتأكيد للرؤى الفنية النقدية , يقول تعالى : (الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور , ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) (الملك 3-4) .
ويسجل القرآن عملية التزين في قوله تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) (الملك/5), فالزينة مقصودة بالمصابيح , وقد تكرر هذا التزين في قوله ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) (ق/ 6) , وفي قوله : (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين) (الحجر/16) , وفي قوله تأكيدا للقصد الجمالي في الخلق : فقظاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) (فصلت/ 12) , وفي قوله تعالى : (أنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ماكان لكم أن تنبتوا شجرها ..) .
فالبهجة مقصودة , إذ هي الوصف المخصص هنا , فالإنبات لم يكن للحدائق وحسب وإنما للحدائق ذا بهجة .
الجمال في الإنسان :
المرحلة الأولى من الجمال هي التسوية والتعديل , فعدم الخلل وعدم النقص هو الحد الأدنى من الجمال ويلفت النظر إلى هذا بلغة هادئة توقظ الحس وتحفز المشاعر في قوله تعالى : (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم , الذي خلقك فسواك فعدلك) (النمل6-7) . أي جعلك مستقيما معتدل القامة منتصبا على أحسن الهيئات والأشكال .
وفي قوله أيضا : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) (الحجر29) , وقول (الذي خلق فسوى) (الأعلى/ 2) أي خلق المخلوقات جميعا فأتقن خلقها وأبدع صنعها في أجمل الأشكال وأحسن الهيئات .
وينتقل القرآن إلى مرحلة أرقى في خلق الإنسان أي (الحسن) في قوله تعالى : ( خلق الساوات والأرض بالحق وصوركم وإليه المصير) (التغابن/3) وفي قوله : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) (التين/ 4) .
ونلاحظ أن الفعل (صور) لم يستعمل في القرآن إلا في صدد الحديث عن الإنسان , وبأسلوب الخطاب له , وتخصيص الإنسان بأسلوب من الخلق وهو (التصوير).
وقد أستخدم القرآن وسائل جمالية في تعامله مع الإنسان , والزينة المطلوبة في هذا الإنسان , فقد عدد القرآن الرياش والياقوت والمرجان واللؤلؤ في وصف الإنسان أو حور العين في قوله تعالى :
( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ) (الأعراف/ 26) .
(فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان, فبأي آلاء ربكما تكذبان , كأنهن الياقوت والمرجان) (الرحمن 56-58) .
(وحور عين , كأمثال اللؤلؤ المكنون) (الواقعة 22-23).
(ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) (الإنسان 19) .
فالجسن والجمال مقصود في الكون والإنسان والأشياء , والجمال مقصود في أصل البناء الكوني ينحو نحو الكمال والتعبير عن الكمال يكون عن طريق الجمال فلا صدفة في هذا الوجود فكل شئ خلق بقدر
يعطيك العافيه
جزاك الله خير أختي الفاضله
رائع جدا مرة يقوة