إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
أمـا بعـد :.
فإن الله تبارك وتعالى امتدح ط§ظ„ط¥ط®ظ„ط§طµ وأثنى على أهله ، فقال : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
وقال سبحانه : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )
وقال جلّ ذِكره لِنَبِيِّه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)
وأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال في شأن رسوله صلى الله عليه وسلم : () قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي) وقال في شأن عباده المؤمنين : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)
وتتبيّن أهمية الإخلاص في النقاط التالية :
1 – كون الإخـلاص ركنٌ من أركـان قبول العمـل الصالح ، ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا مـا كان خالصاً لوجهه ، لكونه أغنى الشركاء عن الشرك .
فعَنْ أَبِي هُريرةَ رضي الله عنه قـال : قال رسـولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قـال اللّهُ تبارك وتعالى : أَنَا أَغْنَىَ الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ . مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . رواه مسلم .وقال عليه الصلاة والسلام : إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان لـه خالصا وابْتُغِيَ به وجهه . رواه الإمام أحمد وغيره .
وفي قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) قال الفضيل بن عياض : هو أخلص العمل وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا وصوابا ، فالخالص ان يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .
قال الله تبارك وتعالى : (لْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) .
2 – أن إخلاص العمل أمان من سوء الخاتمة ، فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يَدع لهم شاذّة إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما إنه من أهل النار ، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه أبدا ، فخرج معه كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا ، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله . قال : وما ذاك؟ قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك فقلت : أنا لكم به ، فخرجتُ في طلبه حتى جرح جرحا شديداً ، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه وضوء وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه ، فقتل نفسه ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن الرجـل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة . متفق عليه
أن العبد إذا فَقَدَ الإخـلاص كان حظُّـه من العمل الصالح هو التعـب والنصب ، كما في قولـه صلى الله عليه وسلم : رب صائم حظـه من صيامه الجـوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر . والحديث في المسند من حديث أبي هريرة .
فربما عَمِلَ الإنسان العمل الصالح وهو يظنّ أنه على خير ، فإذا فاته شرط من شروط قبول العمل الصالح لم يكن لـه منه إلا المشقّة ، كما لو صلى مائة ركعة في وقت النهي ، أو صام في أيام النهي كذلك ، ونحوها ، فلو كان العمل خالصاً لكنه لم يكن على السُّنّة لم يُقبل ، ولو كان على السنة ولكنه غيرُ خالصٍ لم يُقبل .
وهذا ما فهمه السلف الصالح ، فقد رأى سعيد بن المسيب رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود نهاه ، فقال : يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة ؟ قال : لا ولكن يعذبك على خلاف السنة . رواه عبد الرزاق .
قال ابن القيم : لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين . ولذا كانت مرتبة الإحسان أعلى من مرتبة الإيمـان ، لما فيها من عبادة الله ومراقبته دون الالتفات إلى الخلق .
وقال صلى الله عليه وسلم : من غزا في سبيل الله وهو لا ينوي الا عقالاً فَلَهُ ما نوى . أخرجه النسائي . فربما قاتل المقاتل فذهبت النفس والمال وليس لـه إلا مانوى من غزوه وقتاله .
3 – أن إخلاص العمل ينفع أحـوج ما يكون إليه صاحبه ، قال صلى الله عليه وسلم : من استطاع منكم أن يكون لـه خبيئة من عمل صالح فليفعل . رواه الحافظ الضياء في المختارة ، وهو في صحيح الجامع .
وفي قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غـار فانطبقت صخرة فأغلقت عليهم فم العار فقالـوا : إنه لا يُنجيكم إلا أن تدعوا الله بخالص أعمالكم . وفي رواية : فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم . متفق عليه .
خطــورة الــريــاء :
أولاً : أنه يُحبط العمل ، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما يريوه عن ربِّه : أَنَا أَغْنى الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْك ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغـر ، قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء ، يُقال لمن يفعل ذلك إذا جاء الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون فاطلبوا ذلك عندهم .
وقال الفضيل بن عياض :كانوا يقولون ترك العمل للناس رياء ، والعمل لهم شرك . عافانا الله وإياك .
ثانياً : أن الإخلاص مما ينفي الغلّ عن قلب المسلم ، كما في قولـه صلى الله عليه وسلم : ثلاث لا يَغِلّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة ؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم . رواه أحمد وأهل السنن .
قال ابن عبد البر : معناه لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلا أبـداً ، يعني لا يقوى فيه مرض ولا نفـاق إذا أخلص العمل لله ، ولزم الجماعـة وناصح أولي الأمر . وقال ابن رجب : هذه الثلاث الخصال تَنْفِي الغِلّ عن قلب المسلم . فعدمُ الإخلاص يُورِث القلبَ الأضغان والأحقاد .
رابعاً : أن الرياء في العمل يكون وبالاً وعذاباً وحسرةً على صاحبه يوم القيامة ، يوم يُشَهّر بصاحبه على رؤوس الأشهاد ، وعندها تزداد حسرته وندامته .
ويَدلّ على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : مَن سَمَّعَ سَمَّعَ الله به ، ومن راءى راءى الله به . رواه البخاري ومسلم . قال العـز بن عبد السـلام : الرياء أن يَعْمَلَ لِغير الله ، والسُّمْعَـة أن يُخْفِي عَمَلَه لله ، ثم يُحَدِّث به الناس .
ومما يدلّ على خطـورة الرياء وشدة حسرة وندم المرائين ، ما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم : إن أول الناس يُقْضَى يوم القيامة عليه رجل استُشْهِدَ ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَها ، قال : فما عَمِلْتَ فيها ؟ قال : قاتَلْتُ فيك حتى استُشْهِدتُ . قال : كَذَبْتَ ، ولكنك قاتَلْتَ لأن يُقال جَريء ، فقد قِيل ، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه حتى أُلْقِي في النار ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْم وعَلَّمَه ، وقرأ القرآن ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَها ، قال : فما عَمِلْتَ فيها ؟
قال : تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وعَلَّمْتُه ، وقرأتُ فيك القرآن . قال : كَذَبْتَ ، ولكنك تَعَلَّمْتَ العِلـم ليُقال : عَالِم ، وقرأت القرآن ليُقال : هو قارئ ، فقد قيل ، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه حتى أُلْقِي في النار ، ورَجُلٌ وَسَّع الله عليه وأعطـاه من أصناف المال كله ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَها ، قال : فما عَمِلْتَ فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تُحِبّ أن يُنْفَق فيها إلا أنْفَقْتُ فيها لك ، قال : كَذَبْتَ ، ولكنك فَعَلْتَ ليُقال هو جواد ، فقد قِيل ، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه ، ثم أُلْقِي في النار .
ولما قالت عائشة يا رسول الله : إن ابن جُدعان كان في الجاهلية يَصِل الرَّحِم ، ويُطْعِم المسكين ، فهل ذاك نافعه ؟ قال : لا يَنْفَعُه ، إنه لم يَقُلْ يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين . رواه مسلم .
وهذا يعني أنه لم يعمل العمل يوماً وهو يُريد الدار الآخرة ، ويرجو رحمة ربه .
العمل والرياء :
ينقسم العمل الذي يُخالطه أو يُصاحبه الرياء بالنسبة لقبول العمل من عَدَمِه إلى أقسام :
1 – أن يُصاحبه الرياء من أصل العمل فيحبط العمل بالكليّة .
2 – أن يطرأ عليه الرياء خلال العمل دافعه فإنه لا يضرّه ، وإن لم يُدافع الرياء فَلَهُ حالات :
3 – إن كان العمل مما يتجزأ ، كالصدقة ونحوها ، فما دَخَلَه الرياء حابِط ، وما لم يدخل الرياء لم يحبط .
وإن كان مما لا يتجـزأ كالصلاة ونحوها فإنها تحبط ، لعـدم مُدافعته للرياء .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إنما الأعمال كالوِعاء إذا طَابَ أسفله طاب أعلاه ، وإذا فَسَدَ أسفله فَسَدَ أعلاه . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع . والمُراد بذلك النيّة ، فإنها هي أصل الْعَمَل ، فإذا صلُحَتْ صلح العَمَل ، وإذا فَسَدتْ فَسَد العمل .
وإخفـاء العمل مطلبٌ شرعي ، وهو الأصل إلا أن تدعو الحاجة إلى إظهاره . ففي حديث أبي هريرة المتّفقِ عليه – في ذِكرِ السّبعة الذين يُظلّهم اله بِظِلِّه – قال صلى الله عليه وسلم : ورجل تصدّق بِصَدَقَةٍ فأخفاها حتى لا تَعْلَمَ شماله ما تُنْفِقُ يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضَتْ عيناه .
وقال عليه الصلاة والسلام : الجاهـرُ بالقـرآن كالجاهـرِ بالصَّدَقة ، والمُسِرّ بالقرآن كالمُسِرّ بالصدقة . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي .
وكلما كان العمل أبعد عن أعين الناس كلما كان أدعى وأحرى إلى الإخلاص ، ولذا كانت صلاةُ النافلةِ أفضل إلا في البيت ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : فصلوا أيهـا الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصـلاة صـلاة المـرء في بيته إلا المكتوبة . متفق عليه من حديث زيد بن ثابت ، ورواه أبو داود بلفظ : صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة .
فصلاة الرجل النافلة حيث لا يَراه أحد أفضل من صلاته في مسجدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مع كون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم خير من ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام ، كما في الصحيحين .
ولذا كان الصالحون يجتهدون في إخفاء العمل الصالح .
رأى ابن عمر رجلاً يُصلي ويُتابع قال له : ما هذا ؟ قال : إني لم أصل البارحة ، فقال ابن عمر : أتريد أن تخبرني الآن ! إنما هما ركعتان . ولما قال سعيد بن جبير لأصحـابه : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ قال حصين بن عبد الرحمن : قلت : أنا ، ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت . فَذَكَرَ الحديث . رواه مسلم .
فقوله – رحمه الله – : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت ، لينفي عن نفسه حبّ السمعة والشهرة ، وليعلم جليسه أنه لم يكن في صلاة .
وما ذلك إلا لحرصهم على الإخلاص .
وقد كان عمل الربيع بن خثيم كله سِـرّاً ؛ إن كان ليجئ الرجـل وقد نَشَـرَ المصحف ، فيغطيه بثوبه . قال الأعمش : كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقـرأ في المصحف ، فاستأذن عليه رجل فغطّى المصحف ، وقال : لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة .
قال عبدة بن سليمان : كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو ، فلما إلتقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البِراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ، ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ، فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو مُلَثّمٌ وجهه بكمـه ، فأخذت بطرف كمه فمددته ، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال : و أنت يا أبا عمرو ! ممن يشنع علينا .
قال محمد بن القاسم : صحبت محمد بن أسلم أكثر من عشرين سنة لم أره يصلي – حيث أَرَاهُ – ركعتين من التطوع إلا يوم الجمعة ، وسمعته كذا وكذا مرة يحلف لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني مَلَكَاي لَفَعَلْتُ خوفاً من الرياء ، وكان يدخل بيتا له ويُغلق بابه ، ولم أدْرِ ما يصنع حتى سمعت ابناً لـه صغيرا يَحْك%ِي بُكاءه ، فَنَهَتْهُ أمُّـه ، فقلت لها : ما هذا ؟ قالت : إن أبا الحسن يَدْخُل هذا البيت فيقرأ ويبكي ، فيسمعه الصبي فَيَحْكِيه ! وكان إذا أراد أن يَخْرُج غَسَلَ وَجْهَه واكتحل فلا يُرى عليه أثر البكاء .
وكان أيوب السختياني في مجلس فجاءته عَبْرَة ، فجعل يتمخّط ويقول : ما أشدّ الزكام !
قال ابن المبارك : رب عمل صغير تعظمـه النية ، ورب عمـل كبير تصغره النية . وصدق – رحمه الله – فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ، فدنا من المدينة قال : إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ، قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة ؟ %Dال : وهم بالمدينة حبسهم العـذر . رواه البخـاري من حديث أنس ، ورواه مسلم من حديث جابر وفيه : إلا شركوكم في الأجر .
فهؤلاء لما صلحت نيّاتهم وخلُصت لله كُتِبَ لهم مثل أجر الغزاة الذين غـزو في سبيل الله . فبإخلاص العمل تعظم الأعمال الصالحة ، وإن كانت مما يتقالّه الناس ..
فقد غَفَرَ الله لرجلٍ بسبب غصن شوك أخّره عن الطريق . كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وغَفَر لامرأة بغيّ سقت كلباً يلهث من العطش . كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً .
وبما أن الأمر كذلك فإن المسلم يعمل الأعمال الصالحة ويجتهد فيها ، فإنه لا يدري ما هو العمل الذي يُغفر له بسببه .
الشيخ عبدالرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد
جزاك الله خيرا