الحمد لله،والصلاة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولا:
إذا كسفت الشمس يوم الجمعة ، فإن كان ذلك قبل الجمعة بوقت يسع صلاة الكسوف المعتادة ، كما لو كان الكسوف في الضحى أو قريبا منه ، بدئ بالكسوف ، ثم صليت الجمعة في وقتها ، وإن وقع الكسوف في وقت الجمعة ، فإن خيف فوات الجمعة ، قدمت اتفاقا .
وإن أمن فواتها ، فالجمهور على تقديم الكسوف ، وذهب الحنابلة في قول اختاره ابن قدامة رحمه الله إلى تقديم الجمعة ؛ لأن البدء بالكسوف يفضي إلى المشقة ، ويقتضي حبس الناس لأجله وإلزامهم بصلاته ، وهي غير واجبة في الأصل .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/146) : " وإذا اجتمع صلاتان , كالكسوف مع غيره من الجمعة , أو العيد , أو صلاة مكتوبة , أو الوتر , بدأ بأخوفهما فوتا , فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة , وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح , بدأ بآكدهما , كالكسوف والوتر , بدأ بالكسوف ; لأنه آكد , ولهذا تسن له الجماعة , ولأن الوتر يقضى , وصلاة الكسوف لا تقضى .
فإن اجتمعت التراويح والكسوف , فبأيهما يبدأ ؟ فيه وجهان ، هذا قول أصحابنا ، والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال ; لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة , لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم , وانتظارهم للصلاة الواجبة , مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة , كي لا يشق على المأمومين , فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة , مع أنها غير واجبة , أولى ، وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح , قدمت التراويح لذلك , وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت ؛ لأن الوتر لا يفوت , وإن خيف فوات الوتر قدم ; لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف , وإن لم يبق إلا قدر الوتر , فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف ; لأنها إنما تقع في وقت النهي ، وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة , قدمت الجنازة وجها واحدا ; لأن الميت يخاف عليه , والله أعلم " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/61) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم ما يخاف فوته , ثم الأوكد , فإذا اجتمع عيد وكسوف , أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة ؛ لأنهما أوكد من الكسوف وإن لم يخف فوتهما فالأصح وبه قطع المصنف [أبو إسحاق الشيرازي] والأكثرون: يقدم الكسوف ، لأنه يخاف فوته " انتهى بتصرف .
والذي يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله ؛ لما ذكر من المشقة ، ولأن الجمعة آكد وأهم .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا اجتمعت صلاتان صلاة الكسوف مع غيرها ، كصلاة الفريضة ، أو الجمعة ، أو الوتر ، أو التراويح ، فأيهما يقدم ؟
فأجاب : " الفريضة مقدمة على الكسوف والخسوف ؛ لأنها أهم ، ولأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/307) .
ثانيا:
إذا بدأ الإمام بالجمعة ، خطب لها وصلاها ، ثم صلى الكسوف وخطب له ، وإذا بدأ بصلاة الكسوف وفرغ منها ، خطب للجمعة ، وذكّر فيها بالكسوف ، ثم صلى الجمعة ، واستغنى بخطبتي الجمعة عن الخطبة للكسوف .
قال النووي رحمه الله في الموضع السابق : " ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة , ثم الكسوف , ثم خطب للكسوف .
وإن اقتضى الحال تقديم الكسوف بدأ بها , ثم خطب للجمعة خطبتها , وذكر فيهما شأن الكسوف وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب , وقال أصحابنا : ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة ، وكذا نص عليه الشافعي في الأم " انتهى . والله أعلم .
راجع : حاشية ابن عابدين – (2 / 167)،الذخيرة – (2 / 431) ،مواهب الجليل لشرح مختصر خليل – (2 / 204) ،الأم – (1 / 243)، المجموع – (5 / 57)،روضة الطالبين وعمدة المفتين – (2 / 87)، المنهاج للنووي – (1 / 72) ،المغني – (2 / 280) ،الفروع وتصحيح الفروع – (2 / 122) ،شرح منتهى الإرادات – (1 / 333) ،الفقه الإسلامي وأدلته – (2 / 558) .
المذهب الحنفية :
حاشية ابن عابدين – (2 / 167)
وأما إذا اجتمع كسوف وجمعة أو فرض وقت لم أره وينبغي تقديم الفرض إن ضاق الوقت وإلا فالكسوف لأنه يخشى فواته بالانجلاء …
المذهب المالكي :
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل – (2 / 204)
قال القرافي إذا اجتمع كسوف وجمعة قدمت الجمعة عند خوف فواتها وإن أمن قدم الكسوف ….
الذخيرة – (2 / 431)
فإن اجتمع كسوف وجمعة قدمت الجمعة عند خوف فواتها وإن آمن قدم الكسوف ..
المذهب الشافعي :
الأم – (1 / 243)
قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ في وَقْتِ الْجُمُعَةِ بَدَأَ بِصَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَخَفَّفَ فيها فَقَرَأَ في كل وَاحِدَةٍ من الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ في الرَّكْعَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ { قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ } وما أَشْبَهَهَا ثُمَّ خَطَبَ في الْجُمُعَةِ وَذَكَرَ الْكُسُوفَ في خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَجَمَعَ فيها الْكَلَامَ في الْخُطْبَةِ في الْكُسُوفِ وَالْجُمُعَةِ وَنَوَى بها الْجُمُعَةَ ثُمَّ صلى الْجُمُعَةَ ( قال ) وَإِنْ كان أَخَّرَ الْجُمُعَةَ حتى يَرَى أَنَّهُ صلى صَلَاةَ الْكُسُوفِ كَأَخَفَّ ما تَكُونُ صَلَاتُهُ لم يُدْرِكْ أَنْ يَخْطُبَ ويجمع ( ( ( يجمع ) ) ) حتى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ بَدَأَ بِالْجُمُعَةِ فَإِنْ فَرَغَ منها وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ صلى صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَإِنْ فَرَغَ منها وقد تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَتَتَامَّ تَجَلِّيهَا حتى تَعُودَ كما كانت قبل الْكُسُوفِ لم يُصَلِّ الْكُسُوفَ ولم يَقْضِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ في وَقْتٍ فإذا ذَهَبَ الْوَقْتُ لم يَعْمَلْ ….
المجموع – (5 / 57)
ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضي الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة ثم الكسوف ثم خطب للكسوف وان اقتضي الحال تقديم الكسوف بدأ بها ثم خطب للجمعة خطبتها وذكر فيهما شأن الكسوف وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب قال أصحابنا ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة وكذا نص عليه الشافعي في الام قال اصحابنا ولا يجوز أن يقصد الجمعة والكسوف معا لانه تشريك بين فرض ونفل بخلاف العيد والكسوف فانه يقصد هما بالخطبتين لانهما سنتان هكذا قالوه وفيه نظر لان السنتين إذا لم تتداخلا لا يصح أن ينوبهما بصلاة واحدة ولهذا لو نوى بر كعتين صلاة الضحى وقضاء سنة الصبح لا تنعقد صلاته ولو ضم إلى فرض أو نفل نية تحية المسجد لم يضر لانها تحصل ضمنا فلا يضر ذكرها …
روضة الطالبين وعمدة المفتين – (2 / 87)، المنهاج للنووي – (1 / 72)
المذهب الحنبلي:
المغني – (2 / 280)
فصل : وإذا اجتمع صلاتان كالكسوف مع غيره من الجمعة أو العيد أو صلاة مكتوبة أو الوتر بدأ بأخوفهما فوتا فإن خيف فوتها بدأ بالصلاة الواجبة وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح بدأ بآكدهما كالكسوف …
الفروع وتصحيح الفروع – (2 / 122)
فصل تقدم الجنازة على الكسوف ويقدم هو على الجمعة إن أمن فوتها ( و ) أو لم يشرع في خطبتها وكذا على العيد والمكتوبة في الأصح …
شرح منتهى الإرادات – (1 / 333)
ومتى اجتمع كسوف وجنازة قدمت جنازة على كسوف لأنها فرض كفاية ويخشى على الميت بالانتظار فتقدم صلاة جنازة على ما يقدم عليه كسوف من الصلوات بالأولى ولو كانت جمعة أمن فوتها ولم يشرع في خطبتها أو كانت عيدا وأمن الفوات أو كانت مكتوبة وأمن الفوت فيقدم الكسوف على ذلك خشية تجليه قبل الصلاة فإن خيف فوت الجمعة أو كان شرع في خطبتها أو خيف فوت عيد أو مكتوبة قدمت لتعين الوقت لها إذ السنة لا تعارض فرضا أو كانت الصلاة وترا فيقدم عليه كسوف ولو خيف فوته لأنه يقضي بخلافها وأيضا هي آكد من الوتر وتقدم جنازة على عيد وجمعة أمن فوتهما قلت ولم يشرع في خطبة الجمعة لأنه يخشى على الميت بالانتظار وتقدم تراويح على كسوف إن تعذر فعلهما في وقتهما لأن التراويح تختص برمضان بخلاف الكسوف فتفوت بفواته ..
والحمد لله
أبو عبدالله
[email protected]