قوله تعالى: ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) الآية 48.
قال المفسرون: هذه الآية والتي بعدها نـزلتا في "بشر" المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودي يجرّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمدًا يحيف علينا، وقد مضت هذه القصة عند قوله: ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) في ط³ظˆط±ط© النساء.
قوله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) الآية 55.
روى الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحى الله إليه خائفًا هو وأصحابه يدعون إلى الله سبحانه سرًّا وعلانية، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا بها خائفين، يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تلبثوا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست فيهم حديدة، وأنـزل الله تعالى: ( وعد الله الذين آمنـوا منكم وعملوا الصالحات ) إلى آخر الآية، فأظهر الله تعالى نبيه على جزيرة العرب، فوضعوا السلاح وأمنوا ثم قبض الله تعالى نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حتى وقعوا فيه وكفروا النعمة، فأدخل الله عليهم الخوف وغيروا، فغير الله تعالى ما بهم.
أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدِّي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن النصراباذي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال: أخبرنا أبي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب قال: لما قدم النبيّ عليه الصلاة والسلام وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لأمتهم، فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل، فأنـزل الله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) إلى قوله: ( وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) يعني بالنعمة. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن محمد بن صالح بن هانئ، عن أبي سعيد بن شاذان، عن الدارمي.
قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) الآية 58.
قال ابن عباس: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحاله كره عمر رؤيته ذلك، فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: نـزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنـزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ ) الآية 61.
قال ابن عباس: لما أنـزل الله تبارك وتعالى: ( لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ) تحرّج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزَّمْنى والعمي والعرج، وقالوا: الطعام أفضل الأموال، وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، والمريض لا يستوفي الطعام، فأنـزل الله هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير والضحاك: كان العرجان والعميان يتنـزهون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس يتقذرونهم ويكرهون مؤاكلتهم، وكان أهل المدينة لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا أعرج ولا مريض تقذرًا، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: نـزلت هذه الآية ترخيصًا للمرضى والزمنى في الأكل من ييوت من سمى الله تعالى في هذه الآية، وذلك أن قومًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأماتهم أو بعض من سمى الله تعالى في هذه الآية، وكان أهل الزمانة يتحرّجون من أن يطعموا ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكيه، ويقولون: إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أُوَيس قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في هذه الآية: نـزلت في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ) الآية 61.
قال قتادة والضحاك: نـزلت في حيّ من كنانة يقال لهم بنو ليث بن عمرو، وكانوا يتحرّجون أن يأكل الرجل الطعام وحده، فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، والشُّول حفَّل والأحوال منتظمة تحرّجًا من أن يأكل وحده، فإذا أمسى ولم يجد أحدًا أكل، فأنـزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: نـزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نـزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخص الله لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعًا متحلقين أو أشتاتًا متفرقّين.
مشكورة غناتي