قال لي صاحب: ذات يوم قلَّبتُ أوراق التقويم الهجري.. فإذا بتلك المفاجأة العظيمة.. نعم.. والله إنها لعظيمة..
عامٌ كاملٌ من عمري مضى، وما أعلم أنه انقضى.. إلا في ضياع وانحراف.. فاعتلجني شعورٌ قلبيٌ هزني.. كأنه صاعقةٌ عظيمة.. ارتجفت أعضائي، واهتز كياني حينما علمتُ أن عاماً كاملاً مضى من عمري ما تزودتُ فيه لقبري..
اعتصر القلب حسرةً.. وما تمالكت نفسي إلا ودمعة حرّى تنحدرُ من على خدي.. حزناً على التفريط.. أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].
يا من غدا في الغيِّ والتيه *** وغرَّه طولُ تماديــهِ
أملى لك الله فبارزتــــــهُ *** ولم تخف غبَّ معاصيهِ
أخي الكريم.. أختي الكريمة.. اعلموا أن اللذة المحرمة ممزوجةٌ بالقبح حال تناولها، مثمرةٌ للألم بعد انقضائها.. وأن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق..
إذا علم هذا، فليعلم أن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب والقبر، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق، فاحذر أيها العاصي.. أن تلعنك قلوب المؤمنين..
أخي الكريم.. أختي الكريمة.. قوافل التائبين تسير.. وجموعُ المنيبين تُقبل وبابُ ط§ظ„طھظˆط¨ط© مفتوح.. ودعوة تتلى.. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].. دموع التائبين صادقة.. وقلوبهم منخلعة، يخافون يوماً تتقلبُ فيه القلوبُ والأبصارُ..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( اجلسوا إلى التوابين فأنهم أرقُ أفئدةً.. ).
أخي الكريم..أختي الكريمة.. لقد كان الفضيل بن عياض قاطعاً للطريق.. وكان يتعشقُ جاريةً.. فبينما هو ذات ليلة يتسور ُعليها الجدار إذ سمع قارئاً يقرأ قول الله جلَّ وعزَّ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16].. فأطرق ملياً.. ثم تذكر غدراته وذنوبه.. تذكر إسرافه.. فما كان منه إلا أن ذرف دموع التوبةِ من عينٍ ملؤها اليقينُ برحمة الله..، فتاب واقلع عما كان عليه حتى أصبح من أهل الخير والصلاح في زمنه.
واتــق الله فتقوى الله مـــا *** جاورت قلبَ امرئ إلا وصل
ليس من يقطعُ طرقاً بطـلاً *** إنما من يتـــــــق الله البطل
وبعد هذا.. أخي..أختي هل من مشمِّر؟!..هل من مشمر للتوبة؟!
شمر عسى أن ينفعَ التشميرُ *** وانظر بفكرك مااليه تصيرُ
نعم.. هناك مشمرون.. ولكن إلى أين؟!
مسارعةٌ للخطى وتقويةٌ للعزائم وحثٌ للنفوس.. إنها خطوات في الطريق.. إلى هناك.. حيث الموقف العظيم.. ثم – برحمة الله – إلى روح وريحان ورب غير غضبان..
نستدرك بالتشمير إلى الخير تقصيرنا.. ونعوض بالسير القويم تكاسلنا وتأخرنا.. فهل من مشمر؟!
كل يوم في طريق.. وكل حين في سبيل.. خطوات متسارعة.. وقفزاتٌ متتابعة نسُدُّ الفُرَج ونُغلق الثُلَم..نحصنُ ديارنا.. ديار التوحيد.. فهل من مشمر؟!
نداءٌ لمن تأخر عن الركب.. ولا يزال يرى القافلةَ تسيرُ إلى الخير.. هل من مشمر قبل الندم والبكاء؟! الله جلَّ وعزَّ يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً [النور:31] فهل من مشمر؟! ويقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] فهل من مشمر؟!
شمر مادام البابُ مفتوحاً.. وعجل.. فَرُبَّ متمهل فاتتهُ حاجتهُ..
أخي.. أختي.. إن أمامكم أفقاً وآسعاً.. أفقاً جميلاً.. نعم إنه أفق رحمة الله.. أفق..التوبة.. إن التائب حبيبُ الله.. يقول جلَّ وعزَّ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة:222] فهل من مشمر؟!
وصيتي لك
هذه بعض التوجيهات التي أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينفعنا وإياك بها:
1 – الحرص على صلاح الباطن لأن صلاح الباطن سبب رئيسي في صلاح الظاهر، فاعمر قلبك أخي بذكر الله وبطاعته جل وعز وبالعقيدة السليمة الصالحة على ما كان عليه الرسول وصحابته الكرام.
2 – المحافظة على أوامر الله جل شأنه بفعلها واجتناب نواهيه سبحانه.
3 – لنتذكر دائماً وأبداً ( لا خير في لذة من بعدها سقر ).
4 – احذر من الكلام الفاحش البذيء وبالذات الغيبة والنميمة.
5 – تذكر دائماً:
إذا ماخلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولاتحسبن الله يغفـــــل ساعـــــة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب
6 – أصلح عيوب نفسك قبل النظر في عيوب الآخرين.
7 – الحرص على الاستغفار بالغدو وبالأسحار.
8 – التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه في جميع الأحوال.
9 – احرص على التواضع لله فمن تواضع لله رفعه.
10 – ليكن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هما نورك إلى سلوك طريق دار السلام.
11 – احرص على خدمة هذا الدين بكل ما تستطيع من القدرات التي تمتلكها سواء فكرية أو مالية أو جسدية أو غيرها.
12 – الإكثار من سماع الأشرطة الإسلامية، والاهتمام بقراءة الكتب الشرعية المفيدة.
13 – احذر عزيزي وحبيبي في الله كل الحذر من الاستهزاء بأهل الصلاح والخير ثم احذر من التسلي بأعراضهم في المجالس بل عليك بالذب عنهم عندما تسمع أي شخص يسبهم أو ينقص من قدرهم.
14 – أكثر من الدعاء لنفسك بالثبات على دين الله الحق ولإخوانك المسلمين في كل مكان فهم بحاجة إلى ذلك.
15 – احرص على أن تكون رمز الرجولة في تصرفاتك حتى يشعر أهلك بأن من التزم بهذا الدين إنما أصبح رجلاً ولا تنس ما فعله عمر بن الخطاب عندما رأى شاباً يمشي وهو منكساً رأسه فضربه عمر بالدرة رضي الله عن عمر.
16 – الله الله ببر الوالدين، والحرص على خدمتهما وطاعتهما في غير معصية الله.
17 – احرص أخي على حضور المحاضرات والدروس العلمية قدر المستطاع.
تم ما تم وكتب ما تقدم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جزٍآكيٍ الله كل آلخيرٍ يآلغآلية