بسم الله الرحمن الرحيم
………..
:: ظفار وتجارة اللبان في العصور القديمة
:: العمانيون والفتوحات الإسلامية
:: العمانيون دعاة الإسلام في آسيا وإفريقيا
:: الإسطول العماني خلال العصور الإسلامية
:: جهود الإمام ناصر بن مرشد في إعادة الوحدة الوطنية
:: الإسطول العماني في عصر اليعاربة
:: اليعاربة والعلاقات الدولية
:: الإمام أحمد بن سعيد محرر عُمان
:: الإمام أحمد بن سعيد ينقذ البصرة من الحصار الفارسي
:: السيد سلطان بن أحمد بن سعيد
:: السيد سعيد بن سلطان وتأثيرة في شرق إفريقيا
:: الإسطول العماني في عهد السيد سعيد بن سلطان
:: عُمان والولايات المتحدة في عهد السيد سعيد بن سلطان
:: أزمة الإمبراطورية العمانية بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان
:: حكم السلطان السيد فيصل بن تركي
تبرز الأهمية الإستراتيجية لموقع عمان منذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين على خارطة العالم فهي تحتل قلب العالم الإسلامي وعند شواطئها تنتهي الحدود الشرقية للوطن العربي .
ومن هذا الموقع الذي يمثل قلب الدائرة عند مدخل الخليج العربي تشترك عمان وإيران في التحكم في مدخل أغنى مناطق إنتاج البترول في العالم وذلك عن طريق مضيق هرمز , الذي يمر به أكثر من 60% من إمدادات العالم النفظية كما يمر به نحو 90% من واردات اليابان النفطية و 70% من واردات السوق الأوروبية المشتركة و50% من إحتياجات الولايات المتحدة الإمريكية .
ويمكن تلمس الجوانب السياسية للمكان الجغرافي ضمن ثلاث مراحل في تاريخ عمان :
المرحلة الأولى
منذ أوائل التاريخ القديم كانت المناطق المجاورة للأطراف الشرقية والجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية مكاناً لنشاط عدة سلطات سياسية , سيطرت على الطرق البرية والبحرية والتجارية التي تنصب إليها أجزاء العالم القديم المعروف في أسيا وإفريقيا وأوروبا .
وحينما أصبحت الدولة الإسلامية أكبر دول العالم في العصور الوسطى أخذت أطراف الجزيرة العربية على الخليج العربي وعلى خليج عمان تسترجع مكانتها على طرق التجارة العالمية القديمة .
المرحلة الثانية
وهي مرحلة الركود التي تبدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حيث تسببت أحداث كثيرة في تدهور أوضاع المنطقة ومن أهم هذه الأحداث تسلل البرتغاليين وسيطرتهم على البحار الشرقية وهذا أسقطت كل المنطقة بما فيها عمان في ركود طويل نتيجة لفقدان أهميتها المركزية في طرق التجارة العالمية .
المرحلة الثالثة :
وهي التي تبدأ منذ منتصف القرن السابع عشر حيث طهرت دولة اليعاربة في عمان ونجحت إلى حد كبير في كسر شوكة العدو الذي لا يقهر بينما راحت قوى أوربية جديدة – الإنجليز والهولنديون والفرنسيون – تتفاعل مصالحهم وتتصادم بهدف التحكم في منطقة الخليج وبلغت هذه التفاعلات درجة كبيرة من التعقد والتشابك .
لقد أدركت عمان أهمية موقعها وسط طوفان العلاقات الدولية المتصادمة لذلك سعت من أجل جعل الخليج منطقة سلام وهذه السياسة لم تكن مجرد إستجابة سلبية لأهمية الموقع الجغرافي بل كانت إستجابة لدواعي التنمية والتقدم لذا فقد حرصت عمان على تنمية علاقاتها الدولية من خلال علاقات متوازنة مع جميع دول العالم دون النظر لطبيعة نظمها السياسية والإقتصادية .
يصعب فهم مكونات الجغرافية السياسية لعمان دون التعريف بالخطوط العريضة للأرض العمانية التي تشكل المسرح البيئي الذي تجري فوقه الأحداث السياسية وتستأثر البيئة الساحلية بقسط كبير من نشاطات الإنسان العماني فعند سواحل عمان تنتهي كتلة شبه جزيرة العرب التي يسميها البعض كتلة الدرع العربي وعلى مسافة قريبة من الساحل تمتد الشعاب المرجانية الصالحة لوجود محار اللؤلؤ الذي لعب دوراً في التخفيف من حدة المشاكل الإقتصادية لفترة طويلة من الزمن .
فإذا ما إنتقلنا إلى بيئة اليابس فهناك بيئات طبيعية تماثل الوجه الأخر من قصة صراع الإنسان العماني مع البيئة وهو يكافح في صنع حياته ومستقبلها .
وتتكون المناطق الداخلية من عمان من هضبة قديمة يصل إرتفاعها إلى أكثر من 1300م ينتصب وسطها الجبل الأخضر الذي يصل إرتفاع بعض جهاته إلى أكثر من 3000م , وتحدد الأودية التي تتجه من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي سفوح هذه المناطق المرتفعه المنحدرة بإتجاه السهول الساحلية .
وتشكل هذه السهول الساحلية مع المناطق الجبلية المرتفعه المجال الواسع الذي يمارس فيه العمانيون نشاطهم الزراعي حيث تسبب الرياح الموسمية الصيفية كمية من الأمطار لا تقل عن 250مم , ولأسباب جغرافية بيئية فقد تركز معظم العمانيون في محافظة مسقط ومنطقة الباطنة إذ يسكنهما ما يزيد قليلاً عن نصف عدد سكان عمان وإذا أضفنا محافظة ظفار كدنا نحصل ما يقل قليلاً عن ثلثي عدد سكان عمان .
أما التوزيع الفعلي للسكان في الوقت الحاضر فقط إختلف كثيراً عما كان عليه في الماضي بسبب برامج التنمية التي إستوعبت كل مناطق عمان .
ويتميز العمانيون بأنهم من أكثر الشعوب إرتباطاً ببيئتهم وخصوصاً أهل الريف والبادية لذا كانت نسبة سكان الريف حتى مطلع الثمانينات تصل إلى 75% من مجموع عدد السكان ويبدو هذه النسبة قد إنخفضت مع نهاية الثمانينات بسبب الهجرة الداخلية إلى أن دراسات الاسقاط المستقبلي في ضوء إرتباط العماني ببيئته وفي ضوء مشاريع التنمية للمجتمعات الريفية والبدوية تبين أن هذه النسبة لا تزال 50% في أوائل هذا القرن .
ليس من قبيل المصادفة أن دولاً بذاتها لعبت دوراً حضاريا فاعلاً في عمر البشرية ، بينما دولاً أخرى لعبت دوراَ متواضعاَ , فالموقع الجغرافي لبلد ما يعد محطة لشبكة من العلاقات والقيم الحضارية , وقد إعتبر بعض المؤرخين الموقع بمثابة محظة الموارد الطبيعية للثروة القومية وعدها رأسمالاً طبيعياً وسياسياً أصيلاً .
بل أن الموقع الجغرافي يعد في حالات كثيرة الرأسمال الحقيقي لعدد من الدول التي إستثمرت موقعها بجدارة فائقة .
وعمان تعد واحدة من الدول التي يصعب فهم تاريخها خارج إطار جغرافيتها , لأن إمكانات الموقع لا تحقق نفسها بنفسها بل من خلال الإنسان , ولأن هذه الإمكانات لا تظهر كاملة كطفرة واحدة وإنما تنمو وتبرز وتتطور في عملية حركية حيث تتفاعل العناصر الجغرافية والتاريخية بحركة منتظمة أحياناً وعشوائية في بعض الأحيان .
وهكذا إكتسب موقع عمان أهميته عبر قرون وحقب تاريخية من خلال مراحل محددة ومتميزة كل مرحلة تنكشف فيها طاقات جديدة محصلتها في النهاية رصيد ضخم من التراث الحضاري .
وإذا كانت عمان تتميز بموقع جغرافي فريد بحكم تميز حدودها الجغرافية الطبيعية فإن هذا الموقع قد حفظ لها شخصيتها المستقلة وأصبح إتصالها بالبحر من سماتها الواضحه وكان تنوع أقاليمها الجغرافية في مقدمة العوامل التي جعلت من جغرافية عمان رصيداً قومياً ضخماً , فإمتداد السواحل لأكثر من 1700 كيلومتر وتميزها بكثرة الخلجان الطويلة العميقة , وفي الداخل جبال بها سفوح سكنها الإنسان العماني منذ أقدم العصور إلى أودية إنحدرت من هذه الجبال وشكلت منظومة طبيعية إضافة إلى الصحاري التي كانت دائماً متنافساً للقبائل الضاربة في الصحراء .
لقد ضمن كل هذا التنوع مساحة من الأرض تقدر بـ 312 ألف كيلومتر مربع , بيد أن عمان الحالية لا تمثل بلاد عمان في السابق , فقد كانت تشمل بعض الأقاليم المجاورة حيث كانت تمتد جنوباً حتى الشحر وغرباً حتى الربع الخالي وتتصل بالبحر من الجهات الشرقية والجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية وتحد من الشمال بالبحرين .
لقد كان كل هذا التفرد في الموقع نتيجة هامة حيث سلك العمانيون طريق البحر ونبغوا في ركوبه والاستفادة منه حتى اصبحت بلادهم قاعدة الخليج الأولى التي تتحكم في مداخلة من الجنوب وحلقة الوصل الرئيسية بين عالمين عالم الشرق الأقصى ممثلاً في الهند والصين وجنوب شرق أسيا من جهة وشرق إفريقيا ومصر ومنها إلى غرب أوروبا من جهة أخرى .
واللافت للنظر في جغرافية عمان أن إرتباط اليابس بالبحر يعد قاعدة إستراتيجية حيث وجد العمانيون أنفسهم أمام وضع جغرافي جعلهم في حالة من الإستنفار الدائم .
لذا فإننا نستطيع ان نقول أن التوازن بين البحر واليابس شكل حلقة من حلقات النضال المتواصل ومن أجل ذلك فقط إرتبط الماء باليابس في منظومة متناغمة شكلت في مجملها كل هذا التراث التاريخي الضخم .
وإذا كانت ثمة خاصية واحدة تميز بها موقع عمان الإستراتيجي إستمرت وأصبحت من الثوابت فتلك الخاصية هي إنها كانت دائماً إقليماً فاعلاً , قطب قوة وقلب إقليم , حتى وهي محتلة أو مجزأة فلقد كانت مركز دائرة وليس هامش دائرة أخرى .
لا شك إن هذه الخصوصية الجوهرية التي تكاد تنطوي على متناقضات مثيرة لا يمكن إرجاع اسبابها إلا إلى جذور جغرافية أصيلة .
والحقيقة المؤكدة في شخصية عمان الإستراتيجية هي إجتماع موقع جغرافي أمثل مع موضع طبيعي مثالي وذلك في توازن وتناغم عجيبين , فإذا كانت الصحراء دائماً من ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي منذرة بالخطر وإستنفار الهمم فإن البحر بغموضه وتحدياته كان يدق من الجانب الآخر , وهكذا عاشت عمان دائماً في حالة من الخطر الذي يتناسب طردياً مع أهمية الموقع إلا إنه خطر من النوع الذي يثير الهمم ويفتق الذهن ويبعد الإنغلاق .
وإذا كانت الجغرافية وراء السياسة فلعلها تنفق بشكل لافت مع عمان التي تعكس شخصيتها الإستراتيجية ملامح سياستها الخارجية والداخلية بدقة متناهية بما يؤكد مقولة ديجول الشهيرة ((الجغرافية هي قدر الأمم (( بل هي العامل الثابت في صناعة التاريخ , لذا فقد قدر لعمان أن تكون قوة برمائية تضع قدماً على اليابس وأخرى على الماء وتجمع بذلك بين ضفتي قوة البر والبحر بدرجات متفاوتة , لكن في الغالب كان نداء البحر أقوى من جاذبية القاعدة وفي جميع الحالات التي إنطلق فيها العمانيون عبر المحيطات والبحار كأن البحر واليابس يتفاعلان بطريقة متناغمة فاليابس عمقاً إستراتيجياً لتربية الرجال وزراعة الأرض وصنع الحضارة , والبحر مجالاً حيوياً لتصدير تلك الحضارة والقيم الإنسانية .. وهكذا تحققت كل الأعمال الكبيرة حينما إرتبط البحر باليابس وتفاعلا معاً في منظومة جغرافية مثالية لا تتكرر كثيراً .
لقد كان تاريخ عمان القديم يكتنفه الغموض إلا بقدر ما تسمح به المصادر العربية القديمة وبعض المصادر الأجنبية من معلومات مشوهة أحياناً وغير حقيقية في كثير من الأحيان .
ومنذ عصر النهضة العمانية المعاصرة بدأت البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار تمارس عملها وتوصلت إلى نتائج علمية على درجة كيبرة من الأهمية لعل من أهمها إكتشاف مجتمعات عمرانية وجدت على الساحل العماني الشرقي والغربي ترجع إلى الالف السادسة قبل الميلاد وكشف النقاب عن مجتمعات إخرى في موقع القرم بمسقط تعود إلى الآلف الخامس قبل الميلاد حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمه وأمتعة شخصية تشير إلى ان سكان هذا الموقع كانوا يمارسون حرفة الصيد بينما احترف بعضهم مهنة قنص الغزلان من الوديان في المناطق الداخلية من عمان وعثر على حلي للرجال والنساء بما يؤكد بلوغ درحة ما من التقدم التقني والحضاري .
وقد كشفت التقارير العلمية التي نشرت عام 1987م عن محطة التنقيبات الأثرية التي اجريت في المنطقة الوسطى من الباطنة لتؤكد وجود مجتمعات قديمة لها نشاطها الاقتصادي والسياسي المنظم ولها علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى , ففي دراسة نشرها كل من ب كوستا , ت. ج ولكنسن حلو منطقة صحار قدم المؤلفان معلومات وافية عن المجتمعات التعدينية والزراعية والتجارية للمنطقة التتي ترجع أصولها التاريخية إلى مراحل بعيدة من العصور القديمة إمتدت إلى العصور الإسلامية .
كما قدم الباحثان (كوستا وولكنسن) تقريراً علمياً دقيقاً يؤكد وجود مناطق تعدينية لإستخراج النحاس خلف المنطقة الزراعية بنحو 25 كيلومتراً على سفح جبال الحجر الغربي ودل العثور على آثار حجرية في المنطقة بما يؤكد قيام مجتمعات صغيرة في مطلع الآلف الثالثة قبل الميلاد وقد أكدت الدراسة إستمرار إستغلال هذه المناجم إلى العصور الإسلامية .
كذلك أكدت الدراسات البحثية التي أجريت في العراق عن إستخدام النحاس منذ القرن الرابع قبل الميلاد وأضافت هذه الدراسات إنه كان ينقل من عمان عن طريق الرحلات البحرية في الخليج .
ومنذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد أخذ إستخدام الحديد ينتشر بصورة متزايدة وبخاصة في صناعة الأسلحة مما قلل من أهمية الطلب على النحاس وشيوع مواد تجارية جديدة مثل اللبان والأفاوية والجمال والخيول , لذا فقد أخذت التجارة العمانية تتجه في معظمها صوب الغرب والشمال لتحدد مع تجارة قوافل جنوب الجزيرة العربية الواسعة فيما عرف بطريق البخور .
لقد تضاعفت أهمية تجارة عمان منذ الألف الأولى قبل الميلاد بسبب مقدرة العمانيين على توفير سلع أجنبية للأسواق العربية مثل القرفة التي كان يستوردها العمانيون من الهند ويقومود بنقلها إلى بقية الأسواق العربية , ومما يستلفت النظر إن إسم (مجان) قد أصبح له مدلول جغرافي أوسع خلال الألف الأولى قبل الميلاد , حيث شمل جميع الأقسام الجنوبية من الجزيرة العربية إبتداء من مضيق باب المندب وحتى مضيق هرمز .
وعموما فإنه مع ضعف الطلب على النحاس وجد العمانيون بديلاً في اللبان والبخور والخيول والمنتجات الهندية والصينية , ومن ثم فقد نشطت تجارة التوابل إضافة إلى الحرف التقليدية التي إمتهنها العمانيون منذ العصور التاريخية القديمة وهي الزراعة وبرعوا في توفير المياه من خلال الأفلاج والعيون وتقدم الدراسات الأثرية الحديثة ما يؤكد مقدرة الإنسان العماني وتفوقه في مهنة الزراعة ومهارته الشديدة في التفنن في إستغلال المياه من خلال شق الأفلاج ويشير القزويني (آثار البلاد وأخبار العباد) إلى أن إرم ذات العماد تقع في منطقة الأحقاف من الجزء الجنوبي الغربي من عمان ثم يقول (لقد أجرى الملك إليها نهراً مسافة أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة فأجرى من ذلك النهر السواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب .
وعموماً فإن هذه الرواية تقدم دليلاً على تفنن العمانيين في شق الأفلاج بما يؤكد تفاعلهم مع الطبيعة وتفننهم في إستخدامها تحقيقاً لخلق مجتمعات مستقرة لديها من الأنماط الحضارية ما يقيم دليلاً على إنها مجتمعات غاية في القدم .
من الحقائق التاريخية أن عمان كانت لها علاقات تجارية ببقية مدن الخليج العربي قبل أن يتكون القسم الجنوبي من العراق في حدود 5000 سنة قبل الميلاد وأن سفناً عمانية كانت تأتي إلى المدن العراقية القديمة وعندما بدأ يتكون هذا القسم وبدأت قراه الزراعية تتحول تدريجياً إلى مدن برزت حاجته إلى الأحجار والنحاس والاحجار الكريمة لذلك بدأت سفن (مجان) تأتي بتجارتها إلى المدن العراقية لبيعها هناك ولهذا السبب فقد سمح حكام جنوب العراق لسفن (ملوخا) و (مجان) و (دلمون) بأن ترسو في موانئهم وتشير النصوص المسمارية إلى أن مدناً عمانية كان لها الباع الطويل في العلاقات التجارية بين العراق وبقية مدن الخليج قبل ظهور النشاط البحري للسومريين ومن أهم هذه المدن :
1. ملوخا :
إن إسم ملوخا في النصوص المسمارية يعني المواد كثيرة النقاوة وهذه التسمية تنسجم إلى حد كبير مع نوعية المواد التجارية التي إستوردها سكان بلاد وادي الرافدين من مدينة ملوخا وهي الأسم القديم لمنطقة رأس الحد حيث ذكر الملك سرجون الأكادي بأنه قد إستورد من ملوخا خشب الساج وحجر المرمر كما ذكر الأمير كوديا (2144/2124 قبل الميلاد) بأنه قد إستورد من ملوخا الأحجار الكريمة والملابس وحجر الأزورد ومعدن النحاس والزنك والذهب وهذه المواد تتميز بالصفاء والنقاء والجودة لذلك سميت هذه المدينة ملوخا أي المواد كثيرة النقاوة .
وتؤكد الدراسات المسمارية القديمة أن حجر الأزورد كان ولا يزال موجوداً في أفغانستان وأن العراقيين لم يستوردوا هذا الحجر بأنفسهم وإنما من خلال ملوخا والتي كان يعمل تجارها كوسطاء لتزويد العراق بهذا النوع من الحجر .
2. مجان :
أجمع المتخصصون في الدراسات المسمارية القديمة أن الإسم الحديث لمجان القديمة هو عمان وأن تجار بلاد وادي الرافدين قد إستوردوا من مجان حجر الدايوريت وأن السفن العمانية كانت تجلب هذا الحجر بطلب من التجار العراقيين منذ عام 2340/2284 ق.م وقد فضله العراقيون على الذهب حيث صنعوا منه الاختام الأسطوانية والأوزان بسبب صلابته الشديدة وندرته في العراق لكي يسدوا الطريق أمام المتلاعبين بالأوزان والأختام , إضافة إلى ذلك فقط قام تجار ملوخا بتوريد الأخشاب إلى العراق حيث يتخارون الأنواع الجيدة وينقلونها من الهند إلى العراق وإن العلامات المسمارية التي كتبت بها مدينة مجان قد أكدت شهرة المدينة بصناعة السفن التجارية لأن إسمها كان يكتب بالعلامتين (ما) التي تعني سفينة و (جان) وتعني هيكل وبذلك يكون معنى الإسم كاملاً هو (هيكل السفينة) ومما يضاعف من هذا الإعتقاد هو إن عمان خلال الفترة العباسية وحتى أوائل القرن التاسع عشر كانت مشهورة بصناعة السفن , وبناء على هذه الحقائق يمكننا القون بأن (مجان) هي التي كانت تزود دلمون (البحرين) بالسفن وتزود غيرها من المراكز التجارية في الخليج العربي خلال العصور القديمة .
3. جوبن
لقد ورد في كتابات الحاكم كوديا 2144/2123 ق.م إسم مدينة جوبن مباشرة بعد مدينة ملوخا ومجان وذكر بأنها موطن شجر الخالوب (البلوط) وهذا النوع من الأخشاب كان يستورد من مجان لذلك فقد حدد علماء الدراسات المسارية موقع مدينة جوبن في منطقة الجبل الأخضر لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة في جنوب شرق الجزيرة العربية التي تمتلك أشجار يحتاج العراق إلى أخشابها علماً بأن إسم هذه المدينة لم يذكر في المصادر المسمارية التي سبقت فترة حكم الأمير كوديا لذلك فمن المرجح أن هذه المدينة قد بدأت تلعب دورها التجاري في الربع الأخير من الألف التالثة قبل الميلاد وقبل هذا التاريخ كانت مجان تقوم بمهمة تصدير أخشابها .
وتؤكد الدراسات المسمارية أن تجارة الخليج العربي في العصور القديمة كانت قاصرة على عمان والعراق أما بقية المدن الأخرى فقد كانت بمثابة محطات لرسو السفن فقط .
لعبت ظفار دوراً حضارياً فاعلاً في التاريخ القديم بحكم كونها مصدراً أساسياً للبان والصمغ اللذين كانا في مقدمة السلع التي تحظى بإهتمام كبير في العالم القديم مما أثار أهتمام المؤرخين القدامى منذ عام 400 قبل الميلاد بداية من هيرودوت وبيليني وبطليموس وإنتهاء بأسترابو وديودورس وجميعهم قد خلقوا لنا إنطباعاً عن أهمية اللبان والصمغ في نجارة العالم القديم وقد أجمعوا على ان الطلب على اللبان كان لا يضاهية طلب على أية سلعة تجارية أخرى .
وقد كان ميناء رأس قرتاك (جبل القمر) هو الميناء الذي يصدر منه اللبان والصمغ إلى أنحاء متفرقة من العالم القديم أما الطريق البري فقط كان يبدأ من غرب ظفار إلى جنوب الجزيرة العربية ثم شمالاً إلى نجران حتى غزوة ومنها إلى مصر ومن أهم الطرق التي ذكرها الجغرافيون القدامى الطريق الذي يربط ظفار بشرق الجزيرة العربية حتى بلاد سومر في العراق .
لقد أشار المؤرخون المسلمون إلى أوبار وحدوداً موقعها شمال ظفار بينما أشار إليها نشوان بن سعيد الحميري وحدد موقعها في المنطقة التي تقطنها قبيلة عاد (المنطقة الشرقية من اليمن) ويبدوا أن (أوبار) أو (وبار) لم تكن إسماً لمدينة وإنما كانت أرضاً واسعة وتحديد موقعها في ظفار سيظل موضع جدل لم يحسم بعد .
لم يكتف العمانيون بتصدير اللبان وإنما أضافوا إليه الشحوم وصنعوا منه البخور الذي كان يستخدم في الطقوس الدينية والعلاج والتطيب وشكل هذا المنتج أهمية كبيرة في حركة التجارة خلال العصر الحجري الحديث وتشير الدراسات المسمارية القديمة إلى أن العراق قد أعتمد على اللبان والصمغ الذي يأتي من ظفار ومنذ حوالي 500 عام ق.م كانت طلبات العراق تتزايد على البخور والعطور والصمغ القادم من بلاد ظفار ومنذ عام 2024 قبل الميلاد شهدت المنطقة إنقلاباً هائلا في مناخها حيث أخذت البيئة تتجه نحو التصحر والجفاف مما ألحق ضرراً كبيراً بأشجار اللبان مما دفع سكان ظفار إلى العناية بالجمال وإستئناسها لأستخدامها في تجارة القوافل البرية وقد أثبتت الكشوف الأثرية أن تجارة القوافل البرية صارت حقيقية ثابتة بحلول عام 1500 قبل الميلاد .
وبحلول العصر البرونزي والعصر الحديدي أزدهرت منطقة شصر التي شهدت مجتمعات عمرانية هائلة وخلال العصور الوسطى أشارت الكثير من المصادر إلى أهمية شصر ونشاط سكانها في تجارة البخور والخيول ويبدو أن شصر لم تفقد أهميتها التجارية إلا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي حيث هجرها أهلها إلى مناطق أخرى مجاورة .
لقد إختلفت الروايات التاريخية حول التحديد الزمني لدخول الإسلام في عمان , فبينما تشير الكثير من المصادر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي بادر بدعوة حكام عمان إلى الإسلام وهما جيفر وعب أبناء الجلندي , بيد أن الذي أختلف عليه المؤرخون هو تحديد الفترة التي بعث فيها الرسول إلى حكام عمان حيث تذكر بعض الروايات ان ذلك قد حدث عام 6 هـ بعد صلح الحديبية إلا أن رواية أخرى تحدد تاريخ المراسلة بعد فتح مكة عام 8هـ وتذهب رواية ثالثة إلى أن ذلك قد حدث عقب حجة الوداع .
ويمكن القول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد إهتم بتوسيع رقعة الإسلام عقب فتح مكة وزوال المقاومة القرشية , حيث أصبح الإسلام هو القوة الكبرى في بلاد العرب عنذ ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى ملوك الدول المجاورة ومن هؤلاء ملكا عمان : جيفر وعبد أبناء الجلندي.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل كتاباً مع أبي زيد الأنصاري إلى الجلندي أو إلى جيفر عام 6 هـ ثم بعض بكتاب آخر مع عمرو بن العاص عام 8هـ وكتاباً ثالثاً إلى أهل عمان رواه أبو شداد الدمائي من أهل دما قال : جاءنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعة أدم : ( من محمد رسول الله إلى أهل عمان , أما بعد , فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله , أدوا الزكاة وخطوا المساجد وإلا غزوتكم) . وهناك كتاب أخرى رابع تسلمه عبدالله بن علي الثمالي ومسلية بن هزان , حينما قدما في رهط من قومهما على الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلموا وبايعوا على قومهم وكتب الرسول لهم كتابما بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم .
ونتيجة لهذه الكتب ونتيجة لأتصال بعض أهل عمان المباشر بالرسول صلى الله عليه وسلم أفرادا وجماعات إنتشر الإسلام في عمان إنتشاراً واسعاً ساعد على ذلك إن محمد عليه الصلاة والسلام قد جعل حكم عمن بيد أبناء الجلندي في حالة إعتناقهم الإسلام وفوض إبن العاص في جمع الزكاة من أغنياء البلاد وتوزيعها على من يحتاجها من الفقراء والمساكين .
وقيل أن وفداً من الأزد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو نعيم عن سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال : ما أنتم ؟ قلنا: مؤمنون , فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال : إن لكل قوم حقيقة , فما حقيقة قولكم وإيمانكم , قلنا: خمس عشرة خصلة , خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها , وخمس أمرتنا أن نعمل بها , وخمس تخلفنا بها في الجاهلية , فنحن عليها إلا أن تكره شيئاً منها فنتركه , فقال عليه الصلاة والسلام: ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت, قال : والخمس التي أمرتكم رسلي أن تعملوا بها؟ قلنا: الشكر عند الرخاء والصبر على البلاء ولرضاء بمر القضاء والصدق في مواطن اللقاء وترك الشماته بالأعداء , فقال: حكماء وعلماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء , ثم قال: وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصله , إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا مالا تأكلون ولا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا في شئ أنتم عنه غداً زائلون وأتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون , وأرعبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون.. فأنصرفوا وقد حفظوا وصيته عليه السلام . لذا فلا عجب أن نجد الرسول الكريم يدعوا لأهل عمان قائلاً: (رحم الله أهل الغبيراء (أهل عمان) أمنوا بي ولم يروني) .
وما كانت دعوة الرسول لأهل عمان بالخير إلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد إستوثق من إسلامهم إسلاماً خالصاً مخلصاً من كل شائبة , وتجمع الروايات التاريخية على ان العمانيين قد إستجابوا لدعوة الرسول دون تردد أو خوف وحينما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام غادر عمرو بن العاص عمان مطمئنا إلى حسن إسلام العمانيين فعاد إلى المدينة وصحبه وفد من العمانيين كان على رأسهم عبد بن الجلندي أحد ملكي عمان وجعفر بن جشم العتكي وأبو صفرة سارق بن ظالم وعندما قدموا على مجلس أبي بكر الصديق قام سارق بن ظالم وقال: ياخليفة رسول الله ويا معشر قريش هذه أمانة كانت في أيدينا وفي ذمتنا ووديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد برئنا إليكم منها , وخاطبهم الصديق قائلاً: معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب , ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل , فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم الميعاد ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر أبني الجلندي وأعزكم الله به وأعزه بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم , جزاكم الله خيراً .
والحق أن خطبة أبي بكر الصديق في الوفد العماني هي بمثابة وثيقة خطيرة الشأن في حسن أخلاق العمانيين وكرم وفادتهم وحسن إسلامهم وثباتهم على الحق .
ولما توفي الخليفة الأول أبوبكر الصديق رضي الله عنه أقر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عبد وجيفر على عمان ومنحهما الحرية الكاملة ف تصريف شؤون بلادهما الداخلية على أن تبقى في إطار النظام العام للدولة الإسلامية , وبعث عثمان بن أبي العاص الثقفي عاملاً من قبله ليتولى جمع الصدقات والزكاة على أن يترك شؤون عمان الداخلية للأخوين عبد وجيفر أكراماً لهما على حسن إسلامهما .
لقد قام العمانيون بدور رئيسي في حركة الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب , وكان لهم الفضل في حماية الحدود الجنوبية الشرقية من الدول الإسلامية عندما تصدوا ببسالة لمحاولات الفرس للإستيلاء على بعض مناطق الخليج .
وتذكر المصادر أن الخليفة عمر بن الخطاب عقب معركة جلولاء 16هـ/637م أرسل عثمان بن أبي العاص الثقفي لمحاربة الفرس الذي حاولوا عبر الخليج إلى الشاطئ العربي , ولبى العمانيون دعوة الجهاد وأجتمع لعثمان نحو ثلاثة الآلف مقاتل وعبر بهم عثمان من جلفار إلى جزيرة أبن كاوان حيث أجبر قائد حاميتها الفارسي على الإستسلام وأرسل كسرى الفرس إلى واليه في كرما يأمره بالسير لمقاتلة العمانيين وطردهم من الجزيرة ولكنه هزم هزيمة منكرة وقتل قائد الحملة الفارسي وكان هذا الإنتصار حاسماً لدرجة أن الفرس لم يعاودوا المحاولة مره أخرى , ولم تقتصر جهود العمانيين على حماية حدود الدولة العربية الإسلامية من جهة الخليج بل شاركوا في الفتوحات الإسلامية على الجبهة العرافية وبلغ من كثرة الأزد العمانيين أن خصص لهم حي خاص بهم في البصرة بعد إنشاء المدينة في زمن عمر بن الخطاب .
ومن عمان إنطلق عثمان بن أبي العاص ليغزو الهند وتشير المصادر التاريخية إلى أن دولة الخلافة وخاصة في العصر الراشدي والأموي قد أعتمدت على عرب عمان في غزو الهند فنجد أسماء كثيرة من العمانيين في قيادة الحملات العسكرية في مكران والسند , بل إن الحملات التي غزت الهند في زمن معاوية بن أبي سفيان قد ضمت كثيراً من العمانيين قاطني البصرة , بل والمثير أيضاً أنه حينما اسند معاوية قيادة تغرة الهند إلى راشد من عمرو الحديدي 48هـ/667م وبوصول راشد إلى هذا الثغر لقي سنان بن سلمة في إشراف من عرب عمان واعجب راشد كثيراً بشخص سنان وأثنى على أخلاقه وتوطدت بينهما صداقة نجم عتها تعاون كامل بين القوات الأموية والقوات العمانية التي كانت تحت قيادة سنان وكانت تقوم بنفس المهمة التي كانت تقوب بها قوات راشد وتمكنت القوات العربية من إجبار سكان جبال الباية من دفع الجزية وحققت نصراً آخر داخل أرض القيقان أسفرت عن كثير من الفيء والغنائم ثم دخلت القوات العربية ولاية سجستان ووقعت معركة غير متكافئة حشد فيها الهنود أكثر من خمسين ألف مقاتل وإستشهد راشد بن عمرو وتولى بعده سنان بن سلمة .
وفي الفترة ما بين 65هـ إلى 78هـ ظهرت في منطقة ثغر الهند قوة عربية لا تدين لنفوذ الأمويين وهي قوة معاوية ومحمد أبنى الحارث اللافيين وهما كما ذكر البلاذري من أزد عمان وقد نجحت هذه القوة في السيطرة على مكران والسند على مدى ثلاثة عشرة سنة .
وقد شهد ثغر الهند كذلك مأساة أبناء المهلب بن أبي صفرة وأسرته , فتذكر المصادر أنه أثر الصدام بين يزيد بن المهلب بن أبي صفرة والذي كان والياً على العراق وسليمان بن عبدالملك منذ 96هـ/715م وبين جيوش يزيد الثاني بن عبدالملك بن مروان 102/720م فر الناجون من القتل من أبناء المهلب وهم مدرك والمفضل وعبدالملك وزياد ومعاوية ومن بقي من آل مهلب وركبوا البحر إلى قندابيل حالياً جافادا في باكستان ولكن خيانة وداع بن حميد الأزدي عامل الأمويين في قندابين قد أودت بآل المهلب من خلال ملحمة دموية رهيبة .
وإذا كان عرب عمان لهم دورهم الكبير في ثغر الهند كمحاربين وبحارة إلا أن دورهم الحضاري كدعاة ومبشرين بالأسلام كان هو الدور الفاعل والهام نظراً لكونهم أكثر التجار المسلمين معرفة بالهند وثقافاتها وأكثر العرب وروداً على هذه البلاد , لذا فقط أقاموا مؤسساتهم التجارية والثقافية ليس في الهند فقط بل في الجزر المحيطة بها مثل سرنديب (سيلان) التي نجح العمانيون في نشر الإسلام فيها منذ وقت مبكر ولولا التدخل البرتغالي مع بداية القرن السادس عشر لكانت هذه الجزيرة قد تحولت جميعها إلى الإسلام كما حدث في جزر المالديف التي عرفها العمانيون منذ فترة مبكرة من التاريخ الإسلامي .
لم يتوقف العمانيون عند الهند وسرنديب والمالديف وإنما إمتد نشاطهم التجاري والحضاري عبر خليج البنغال إلى أرخبيل الملايو التي أسماها العمانيون (كله) أو (كله بار) وكانت السفن العمانية تأتي إلى أرخبيل الملايو بقصد التجارة والمرور منها إلى بلاد الصين وأن ميناء كله كان مجمع الأمتعة من أعواد الكافور والصندل والعاج والرصاص والقصدير والأبنوس وورد إشارات كثيرة إلى وصول السفن العمانية إلى سنغفورة أو كما كانت تسمى (صندابور) .
لقد نجم عن هذا النشاط العماني أن تكونت جاليات ومدناً عمانية في بلاد الملايو وفي غيرها من جزر الأرخبيل وأمتد النشاط العماني إلى بلاد الصين , حيث وصلت رحلاتهم إلى خانفو (كانتون) وتعاظم دورهم بشكل ملحوظ في القرن الثالث الهجري ووصلوا إلى أقصى شمال الصين إلى مدينة قانصو وبلاد الشيلا التي يعتقد انها كوريا أو اليابان ومن أوائل التجار العمانيين الذي وصلوا إلى بلاد الصين أبوعبيدة عبدالله بن القاسم الذي وصل إلى كانتون حوالي 133هـ/750م والذي يعتبره البعض أول إنسان عماني يصل إلى الصين بينما يعتبره المؤرخون الصينيون أول عربي مسلم يصل إلى هذه البلاد .
وكان من مظاهر إرتفاع شأن الإسلام والمسلمين في بلاد الصين ما يرويه لنا إبن بطوطة وكذلك الشريف تاج الدين السمرقندي الذي زار الصين في القرن الرابع عشر الميلادي من إنه رأى المسلمين يحظون بقدر كبير من الإحترام والتقدير لدرجة أنه إذا قتل وثنى صيني مسلماً كان الوثنى يقتل هو وأهل بيته وتصادر أمواله , وإن قتل مسلم وثنياً لا يقتل به بل يطالب بدفع ديته التي كانت لا تزيد عن تقديم حماراً لورثته .
وإذا كان العمانيون قد ساهموا بشكل فعال في التمكين للإسلامن في بلاد آسيا فإن العمانيين أيضاً شاركوا في الفتوحات الإسلامية في الجناح الغربي من العالم الإسلامي إذ تذكر المصادر التاريخية إنهم شاركوا في فتوح المغرب والأندلس وقد أفاد معاوية بن أبي سفيان من خبرتهم عند شروعة في إنشاء أسطول بحري وكان لنواخذتهم براعة في قيادة السفن المعروفة بالتيرماهية إلى الهند ومياه بحر الزنج وهذا يفسر إعتماد معاوية بن أبي سفيان على الأزد في قيادة اسطول المسلمين في عهده فظهرت شخصية جنادة بن أبي أمية الأزدي الذي غزا قبرص ورودس وسفيان بن مجيب الأزدي الذي حاصر طرابلس الشام من البحر وتمكن من إفتتاحها سنة ست وعشرين للهجرة .
لقد كان الموقع الجغرافي العام الذي تشغله عمان أعظم الأثر فيما أحرزه الملاحون العمانيون منذ أقدم العصور التاريخية من شهرة بحرية , ذلك أن هذا الموقع ما بين مخرج الخليج العربي ومدخل بحر الهند الأعظم على الطريق التجاري الرئيسي المؤدي غرباً إلى السواحل الشرقية لأفريقيا وشرقاً إلى الهند وماليزيا والصين ونظراً لصعوبة الإتصال بالبر بالمناطق المجاورة كالبحرين وحضرموت لذا فقد تطلع العمانيون نحو البحر .
وقد سعى العمانيون للحصول على الرزق لذا فقد إرتادوا البحار سعيا وراء التبادل التجاري مع الشعوب المجاورة ويعتبر البحارة العمانيون في طليعة رواد البحار والمحيطات منذ العصور التاريخية القديمة وكانوا من أوائل الشعوب القديمة التي إستخدمت الصاري والشراع لذا فلا غرابة أن تصف المصادر السومرية القديمة أهل عمان برواد الملاحة البحرية , وكان السومريون يطلقون على بلاد عمان قبل أربعة الآف سنة إسم مجان كما ورد ذكرهم كبنائين للسفن في عهد شلجى حوالي 2050 قبل الميلاد .
وتشير المصادر التاريخية القديمة إلى أن العمانيين مع نهاية القرن الثالث قبل الميلاد قد تملكوا أعظم أسطول بعد قرطبة وكان وسيلة فاعلة في نقل حضارة ميناء بابل وسومة إلى الهند وفارس وعن تلك الحضارات أخذ الهنود علوم الفلك والفلسفة والرياضيات والتنجيم وكل معالم الحضارة والتقدم , وكان ذلك قبل العصور اليلينستية بعدة قرون .
لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا أن قوة عمان تاريخياً من قوة بحريتها والعكس وقد ورد في كتابات بطليموس عن عمان أن مجدها وشهرتها التي كانت مصدر فخرها إنما جاءت عن طريق ما كانت تقوم به من نشاط بحري وملاحي وليس عن طريق النشاط البري .
لقد سعى الفرس لمنافسة العمانيين في عهد دارا الكبير 521-485 قبل الميلاد , إلا أن العمانيين بما إتصفوا به من عزيمة وتصميم قد تصدوا لهذه المحاولات وأفشلوا خطط الفرس كما لم يؤثر على نشاطهم البحري إكتشاف ملك مصر اليليني للطريق البحري المباشر بين مصر والهند إعتماداً على الرياح الموسمية .
وعندما ظهر الرومان كقوة عالمية ما بين عام 50 إلى 200م لم يؤثر ذلك كثيراً على نشاط البحرية العمانية وبظهور الدولة الساسانية في فارس عام 225م دخلت في منافسة مع البحرية العمانية فأسسوا إسطولاً قوياً إحتلوا به أجزاء من شرق وجنوب الجزيرة العربية ومنها عمان إلا أن العمانيين تصدوا لهم بعد أن أستعادوا قوتهم ثم تعقبوهم على الشواطئ الفارسية وإحتلوا السواحل والمناطق الجنوبية عنها .
ومع نهاية القرن السادس الميلادي ظهرت قوة بحرية مؤلفة من الفرس والأحباش واليونان والصومال بهدف تنحية العمانيين عن السيادة البحرية مما دفع بالعمانيين للتصدي لهذه القوة وخاصة الأحباش الذين كانوا يحتلون اليمن وتمكن العمانيون من إنزال هزائم متكررة بهذه القوى نجم عنها عودة السيادة العمانية على البحار الشرقية .
كذلك يرجع إلى العمانيين الفضل في إنشاء أول قوة بحرية إسلامية في الأندلس تعمل لحسابها الخاص بالجهاد البحري أو بالتجارة ما بين المغرب والأندلس في وقت لم يكن الأمويون في الأندلس قد إصطنعوا سياسة بحرية فقد كان معظم طوائف البحريين الذين يرابطون على السواحل الشرقية للأندلس ما بين طرطوشة في الشمال والمرية في الجنوب ويغزون في البحر التيراني ينتسبون إلى الأزد ومنهم بني الأسود .
وتشير المصادر التاريخية إلى أن ربابنة البحار من العمانيين كانت لديهم معرفة وافية بالبحار والمحيطات سواء في البحار الشرقية التي خاض العمانيون بسفنهم مياهها على الرغم من خطورة أمواجها ومضايقها الجبلية أو المياه الغربية , فقد كان الخليج العربي يتصل بماأسماه العمانيون بالبحر البربري أو بحر الزنج الذي ينتهي جنوباً بجزيرة قنبلو وبلاد سفالة والواق واق من أقاصي أرض الزنج وقد وصل العمانيون بسفنهم التجارية إلى الساحل الشرقي لإفريقيا وإعتادوا الإبحار في البحر البربري وفي ذلك يقول المسعودي ((أهل المراكب من العمانيين يقطعون هذا الخليج إلى جزيرة قنبلو من بحر الزنج وفي هذه المدينة مسلمون بين الكفار من الزنج والعمانيون الذين ذكرنا من أرباب المراكب يزعمون أن هذا الخليج المعروف بالبربري وهم يعرفونه ببحر بربري وبلاد جفوني )). وفي موضع أخر من مروج الذهب يقول المسعودي ((هؤلاء القوم الذي يركبون هذا البحر أي بحر الزنج من أهل عمان من الأزد )).
ويؤكد المسعودي في أكثر من موضع في كتابه على مهارة نواخذى عمان ومقدار سيادتهم على بحر الصين والهند والسند والزنج واليمن والقلزم والحبشة , لقد كان يربط بين قنبلو وصحار مباشرة طريق ملاحي هو نفس الطريق الذي سلكه المسعودي في رحلته وكانت الرياح تدفع السفن أحياناً بعيداً عن قنبلو فتتجه رأساً إلى الساحل الإفريقي .
يقال أن أول بعثة إسلامية وفدت على الصين كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت تتألف من ثالثة أشخاص توفي منهم إثنان أما الثالث فقد أرسى أول مسجد في الصين عرف بمسجد الذكرى كما أقيم في خانقو أول مسجد سنة 6هـ 627م كان يسمى مسجد المنارة المنورة وبذلك يكون قد إنشئ بعد مسجد قباء بالمدينة المنورة بخمس سنوات .
ويذكر الصينيون أنفسهم بأن بداية إنتشار الإسلام بينهم كان في عهد الملك الصيني تاتي نسونغ 6-30هـ فقد دخل الصين في عهده رجل من ال البيت كان أبناء لحمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم يصحب معه ثلاثة الآف مهاجر .
ويقال أن الخليفة عثمان بن عفان قد وصلت إلى الصين في عهد الرسول عليه السلام أو في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه إلا أن من الثابت أن التجار العمانيين قد لعبوا دوراً هاماً في نشر الإسلام بين الصينيين حيث إرتبط الإسلام بالتجارة وإرتبطت التجارة بالدين وكان التاجر العماني يخرج في سفينته ويغيب سنوات عديدة إلى أن يعود إلى بلاده ثانية .
وقد وصلتنا أسماء بعض التجار العمانيين الذين إرتحلوا إلى هؤلاء أبو عبيدة عبدالله بن القاسم الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة وقد عاش في الصين سنوات طويلة إلى أن عاد إلى عمان وبعده بقليل وصل إلى الصين سرجل عماني آخر هو النضر بن ميمون كان يعيش قبل ذلك في البصرة وهؤلاء وأمثالهم قد أقاموا في الصين فترات طويلة بسبب نشاطهم التجاري مما إضطرهم في أحيان كثيرة إلى التزوج من صينيات مما ساعد كثيراً في نشر الإسلام .
أما الهند فقط ساهم العمانيون في فتحها بحراً منذ منتصف العقد الثاني للهجرة حيث قادهم عثمان بن أبي العاص الثقفي والي عمان والبحرين وأغار على سواحل الهند عند تانه كما وجه أخاه المغيرة إلى خور الديبل عند مصب السند عام 15هـ كذلك قام العمانيون بالتصدي للقراصنة الهنود على السواحل الإسلامية وفي جنوب شرق آسيا كان التجار العمانيون يقيمون في المدن الكبرى ويؤسسون المراكز التجارية الهامة مما أتاح لهم فرصة الإحتكاك المباشر بأهل البلاد ولم ينشر التجار العمانيون الإسلام في أرخبيل الملايو فحسب وإنما وصلوا بتجارتهم وإسلامهم إلى جزر الهند الشرقية وتذكر المصادر إن شيخاً عمانياً عاش في بلاد الزنج (سومطرة) وتمكن بحكمته وبعد نظره من أن يجبر ملكها على أن يعامل المسلمين معاملة خاصة .
وقد عثر في شبه جزيرة الملايو على مابر قديمة للمسلمين تحمل نقوشاً عربية وخصوصاَ في جاوه يرجع تاريخ هذه النقوش إلى عام 475هـ أما المليبار فقد عرفت الإسلام عن طريق جماعة من التجار المسلمين في عام 200هـ , يقال أنهم من عمان وحضرموت وقد أسلم ملكها وتوفي أثناء عودته لبلاده من رحلة إلى الحجاز ودفن بظفار ويذكر أبن بطوطة إنه شاهد أثناء زيارته لمدينة فندرينا بالمليبار سنة 742هـ ثلاثة مساجد مقامة بها وكان قاضيها وصاحب الصلاة فيها رجل من أهل عمان , وكما إنتشر الإسلام في هذه البلدان على يد تجار كان أغلبهم من التجار العمانيين فإنه إنتشر أيضاً في شرق إفريقيا بنفس الإسلوب .
لقد إرتبطت عمان بشرق إفريقيا تجارياً منذ عصر ما قبل الإسلام وأقام العمانيون العديد من المراكز التجارية ويؤكد مؤلف الدليل الملاحي للبحر الإريتري كثرة السفن العربية القادمة من شبة الجزيرة العربية وخصوصاً من عمان على الساحل الشرقي لإفريقيا كما يتحدث عن إختلاط العرب وتزاوجهم من القبائل الإفريقية لم يتوغل العمانيون كثيراً قبل الإسلام داخل اليابس الإفريقي فقد إكتفوا بالإستقرار على سواحلها الشرقية وإقامة المراكز التجارية وعملوا على مقايضة الأفارقة فكانوا يحملون إليهم منتجات الهند والصين في مقابل العاج والذهب وبقيام الدولة الإسلامية تغير الوضع فقد مر أهل عمان في العصرين الأموي والعباسي بظروف سياسية قاسية دفعتهم إلى الهجرة إلى شرق إفريقيا والإستقرار هناك وبناء إمارات عمانية إسلامية .
ويسجل مطلع القرن السابع الهجري هجرات عمانية جماعية إلى شرق إفريقيا قاد هذه الهجرات التي تعد من أكبر الهجرات العمانية سليمان بن سليمان من مظفر النبهاني وأستقبله العرب في بات إستقبالا رائعاً وتزوج سليمان بن أميرة سواحيلية هي إبنة الملك إسحاق من سلالة الشيرازيين من مملكة كلوه , وتنازل إسحاق عن الحكم لسليمان الذي أصبح أول حكام أسرة بني نبهان في الساحل الشرقي لإفريقيا وضمت مملكته قسمايو وبراوه ومقديشيو وظلت هذه الأسرة تتعاقب الحكم حتى عام 1157هـ/1745م .
ويسجل التاريخ للعمانيين الفضل الأعظم في صهر الأجناس المتعددة التي كان يتكون منها المجتمع في ساحل شرق إفريقيا في بوتقة الحضارة الإسلامية فبتزاوج العمانيين المهاجرين بأهل البلاد من الإفريقيات إمتزجت الدماء والنظم والأذواق إمتزاجاً ظهرت آثاره في أجيال يتسم أفرادها بسمات عقلية وجسمانية قريبة الشبه بالملامح العمانية وعرف هذا العنصر الجديد بالعنصر السواحيلي الذي كان يتكلم باللغة السواحيلية ويدين بالإسلام عقيدة وإسلوب حياة .
وإذا كان العمانيون لم يتوغلوا كثيراً داخل القارة الإفريقية في عصر ما قبل الإسلام كما سبق القول إلا إنه من الملاحظ إنه منذ العصر الإسلامي والعمانيون يمتدون في عمق القارة الإفريقية ونتيجة لذلك إنتشر الإسلام بين قبال الجلا الذين إستوطنوا الحبشة ولم يتوقف المد الإسلامي الذي راح ينتشر حتى منطقة البحيرات الإستوائية من خلال توافد العمانيون والحضارمة حتى شاع المثل السواحيلي القائل (إذا دقت الطبول في زنجبار تراقص الناس طرباً في البحيرات الإستوائية ) .
ويسجل البرتغاليون تلك المظاهر الحضارية الرائعة التي وجدوها على ساحل إفريقيا أثناء مقدمهم مع بداية القرن السادس عشر حيث يعترف الرحالة البرتغالي دوراراث باربوسا قائلاً : ما إن وصلت سفن فاسكودي جاما إلى سفالة حتى فوجئت بما لم أكن أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن كخلايا النحل ومدناً ساحلية عامرة بالناس وعالما تجارياً أوسع من عالمنا كما وجدنا من البحارة العرب رجالاً عبروا المحيط الهندي ويعرفون دقائق مرافئه وسجلوا هذه الدقائق في خرائط متقنه لا تقل فائدة عما كانت تعلمه أوروبا .
وإذا كان إنتشار الإسلام هو أهم النتاج التي حققها الوجود العماني في شرق إفريقيا إلا أن نتائج رائعة تحققت في المجالين الإقتصادي والإجتماعي وشاعت الطرز الفنية الإسلامية في المنشآت المعمارية والزخارف والنقوش .
ومن الملاحظ أن حركة إنتشار الإسلام في المناطق الداخلية إزدادت قوة مع نهاية العصور الوسطى عندما بدأ الغزو البرتغالي للمنطقة فقد ترك المسلمون السواحل أمام العمليات الوحشية التي مارسها البرتغاليون ولجأوا إلى الداخل مما ضاعف من نشر الإسلام بين القبائل الإفريقية .
ومع منتصف القرن الثامن عشر وخصوصاً في عصر الدولة البوسعيدية راح الإسلام ينتشر لأول مرة في مناطق جديدة في أوغندا وأعالي نهر الكونغوا ورواندا وبوروندي فضلاً عن المناطق الداخلية في تنجانيقا وخصوصا منذ أن أصبحت زنجبار مركز إشعاع إسلامي وحضاري منذ أن إتخذها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي حاضرة الحكم العماني في شرق إفريقيا عام 1238هـ/1832م .
وعن هذه النقلة الحضارية الهائلة في شرق إفريقيا يحدثنا أحد العاملين في حقل الدعوة الإسلامية عن إنطباعاته حينما زار شرق إفريقيا في عام 1392هـ/1973م فيقول : ما يزال الإسلام هو الدين السائد في زنجبار كلها التي تتميز عن سائر مقاطعات شرق إفريقيا بظاهرتين أولها بروز المظاهر الإسلامية في شتى أنحاء الجزيرة وثانيهما الطابع العربي في مظاهر المدينة الخارجية كالمباني والطرقات ويعود ذلك إلى أصالة الإسلام في سكانها بصورة تكاد تشمل جميع السكان على إختلاف أجناسهم ومما يعني عن الإسهاب أن زنجبار وشقيقتها بيمبا تضمان على صغرهما 375 مسجداً أي أن لكل مائة شخص مسجد واحداً بإستثناء النساء وقد كانت زنجبار وفي زمن ليس ببعيد منتدى إفريقيا الشرقية فقد كانت تلقى الدروس في أورقة المساجد على يد نخبة من الرجال الافذاذ الذين بلغوا أعلى المستويات العلمية .
لقد إنتشر الإسلام في عهد البوسعيدين عن طريق قوافل التجار العمانيين القادمين من زنجبار والمدن الساحلية الأخرى ومن أهم الدعاة العمانيين الذين أوصلوا الإسلام إلى أوغندا الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري الذي وصل من زنجبار إلى بلاط الملك سنا في مملكة بوغندا ويعتبر وصول هذا الداعية العماني بداية لدخول الإسلام إلى أوغندا .
وتشير المصادر المحلية والأجنبية إلى موقف الشيخ أحمد العامري من الممارسات الهمجية والوحشية التي كانت تتمثل في قتل وسفك دماء الأبرياء من رعايا ملك بوغندا تمشيا مع الطقوس الوثنية الأفريقية التي كان يعتنقها أهل بوغندا وعلى رأسهم الكباكا وهو الملك . وتصادف أثناء وجود الشيخ أحمد العامري أن أصدر الملك أوامره بالقيام بهذه المذبحة فما كان من الشيخ أحمد إلا أن وقف متحدياً وسط دهشة الحضور مخاطباً الملك قائلاً (إن هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات الله سبحانه وتعالى الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة ).
وكانت دهشة الحاضرين أقوى عندما تميز الملك بضبط النفس وأجاب الشيخ أحمد بأن آلهته هي التي منحته هذه المملكة ودار حوار طويل قلب تفكير الملك لدرجة إنه طلب من الشيخ أحمد أن يعلمه شيئاً من الإسلام وتشير المصادر بأن الشيخ أحمد إستطاع أن يعلمه أربعة أجزاء من القرآن الكريم بعد أن أعلن الرجل إسلامه وهكذا إنفتح الباب على مصراعيه ليمهد الطريق أمام إنتشار الإسلام في أوغندا والمناطق المجاورة .