القضاء والقدر 2024.

الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ

قال تعالَى في سُورة آلِ عمران:) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً)وقال في سُورة الأعرافِ)وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)وقال في سُورة الحديدِ (مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّنْ قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) وقال في سُورة التوبةِ (قُلْ لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ) وقال في سورةِ سبَأ: (لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاّ َفِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) وقال في سُورةِ الأنعامِ: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمَّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )وقال في سُورة النِّساء (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ . قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِاللهِ فَمَا لِهَؤْلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ).
هذه الآياتُ وما شاكلَها من الآياتِ يَسْتَشْهِدُ بِها الكثيرونَ على مسألةِ ط§ظ„ظ‚ط¶ط§ط، والقدرِ استشهاداً يُفهَمُ منه أنَّ الإنسان يُجبرُ علىالقيامِ بِما يقومُ به من أعمالٍ، وأنَّ الأعمالَ إنَّما يقومُ بِها مُلْزَماً بإرادةِ الله ومشيئتِه، وأنَّ اللهَ هو الذي خَلَقَ الإنسانَ، وخلقَ عملَهُ، ويحاولون تأييدَ قولَهم بقولهِ تعالى: (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )كما يستشهدونَ بأحاديثَ أُخرىكقولهِ: { نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رُوْعِي، لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزقهالقد أخذَتْ مسألةُ القضاءِ والقدرِ دَوْراً هامّاً في المذاهبِ الإسلاميَّة}. وكانَ لأهل السُّنَّةِ فيها رأيٌ يتلخَّصُ في أنَّ الإنسانَ له كَسْبٌ اختياريٌّ في أفعالهِ فهو يحاسَبُ على هذا الكسبِ الاختياريِّ. وللمعتزلةِ رأيٌ يتلخَّصُ ْقَهَا وَأَجَلَهَا وَمَا قُدِّرَ لَهَا في أنَّ الإنسانَ هو الذي يخلقُ أفعالَه بنفسهِ، فهو يحاسَبُ عليها لأنه هو الذي أوجدَها، وللجبريَّةِ فيها رأيٌ يتلخَّص في أنَّ الله تعالى هو الذي يخلقُ العبدَ ويخلقُ أفعالَهُ، ولذلك كان العبدُ مجبَراً علىفعلهِ وليسَ مخيَّراً وهو كالريشةِ في الفضاءِ تحرِّكها الرياحُ حيث تشاءُ.
والمدقِّقُ في مسألةِ القضاء والقدرِ يجدُ أنَّ دقَّةَ البحثِ فيها توجبُ معرفةَ الأساسِ الذي ينبنِي عليهِ البحثُ، وهذا الأساسُ ليس هو فعلُ العبدِ من كونه هو الذي يخلقهُ أمِ الله تعالى. وليسَ هو علمُ اللهِ تعالى من كونهِ يعلمُ أن العبدَ سيفعلُ كذا ويحيطُ علمه به، وليسَ هو إرادةُ الله تعالى من أنَّ إرادتَه تعلَّقت بفعل العبدِ فهو لا بُدَّ موجودٌ بِهذه الإرادةِ، وليسَ هو كونُ هذا الفعلِ للعبد مكتوباً في اللَّوح الْمَحْفُوظِ فلا بُدَّ أن يقومَ به وِفْقَ ما هو مكتوبٌ.نَعَمْ ليسَ الأساسُ الذي يُبْنَى عليه البحثُ هو هذهِ الأشياءُ مطلقاً، لأنه لا علاقةَ لها في الموضوعِ من حيثُ الثوابُ والعقاب. بل علاقتُها من حيثُ الإيجادُ والعلمُ المحيطُ بكلِّ شيءٍ والإرادةُ التي تتعلقُ بجميعِ الممكنات واحتواءُ اللَّوح المحفوظِ على كلِّ شيء . وهذه العلاقةُ موضوعٌ آخر منفصلٌ عن موضوعِ الإثابة على الفعلِ والعقابِ عليه أي: هل الإنسانُ مُلْزَمٌ على القيامِ بالفعلِ خيراً أم شرّاً، أو مخيَّرٌ فيه ؟ وهل لهُ اختيارُ القيامِ بالفعل أو تركهُ أو ليس له اختيارٌ؟
والمدقِّقُ في الأفعالِ يَرَى أن الإنسانَ يعيشُ في دائرتين إحداهُما يسيطرُ عليها وهي الدائرةُ التي تقعُ في نطاقِ تصرُّفاتهِ وضِمْنَ نطاقِها تحصلُ أفعالهُ التي يقوم بِها بِمحضِ اختيارهِ، والأُخرى تسيطرُ عليهِ وهي الدائرةُ التي يقعُ هو في نطاقِها وتقعُ ضمنَ هذه الدائرةِ الأفعالُ التي لا دخلَ له بِها سواءً أوَقَعَتْ منهُ أو عليهِ .فالأفعالُ التي تقعُ في الدائرةِ التي تسيطرُ عليه لا دَخْلَ له بِها ولا شأنَ له بوجودِها، وهي قسمان: قِسْمٌ: يقتضيهِ نظامُ الوجودِ، وَقِسْمٌ: تقعُ فيها الأفعالُ التي ليست في مقدورهِ والتي لا قِبَلَ له بدفعِها ولا يقتضيها نظامُ الوجودِ. أما ما تقتضيهِ أنظمةُ الوجودِ فهو يُخْضِعُهُ لها ولذلك يسيرُ بحسبِها سيراً جبريّاً لأنه يسيرُ مع الكونِ ومع الحياة طِبْقَ نظامٍ مخصوصٍ لا يتخلَّفُ. ولذلكَ تقعُ الأَعْمَالُ في هذه الدائرةِ على غيرِ إرادةٍ منه وهو فيها مُسيَّرٌ وليس بِمخيَّرٍ. فقد أتَى إلى هذه الدُّنيا على غيرِ إرادتهِ وسيذهبُ عنها على غيرِ إرادته، ولا يستطيعُ أن يطيرَ بجسمهِ فقط في الهواءِ، ولا أن يَمشي بوضعهِ الطبيعيِّ على الماءِ، ولا يُمكن أن يَخْلِقَ لنفسهِ لون عَينيهِ. ولم يُوجدْ شكلَ رأسهِ، ولا حجمَ جسمهِ، وإنَّما الذي أوجدَ ذلك كله هو اللهُ تعالى دونَ أن يكون للعبدِ المخلوق أيُّ أثرٍ ولا أيَّةُ علاقةٍ في ذلك، لأن اللهَ هو الذي خَلَقَ نظامَ الوجودِ، وجعلَهُ مُنَظِّماً للوجودِ. وجعلَ الوجودَ يسيرُ حسبَهُ ولا يَملك التخلُّفَ عنهُ. وأما الأفعالُ التي ليست في مقدورهِ والتي لا قِبَلَ له بدفعِها ولا يقتضيها نظامُ الوجودِ فهي الأفعالُ التي تحصلُ من الإنسانِ أو عليه جَبْراً عنه ولا يَملكُ دفعَها مطلقاً، كما لو سَقَطَ شخصٌ عن ظهرِ حائطٍ على شخصٍ آخرَ فقتلَهُ، وكما لو أطلقَ شخصٌ النارَ على طيرٍ فأصابت إنساناً لم يكن يعلمهُ فقتلَهُ، وكما لو تدهورَ قطارٌ أو سيَّارة أو سقطت طائرةٌ لخللٍ طارئ لَم يكن بالإمكان تَلافِيهِ فتسبَّبَ عن هذا التدهورِ والسُّقوطِ قَتْلُ الرُّكابِ، وما شاكلَ ذلك فإنَّ هذه الأفعالَ التي حصلت من الإنسانِ أو عليه وإنْ كانت ليست مِمَّا يَقْتَضِيَهُ نظامُ الوجودِ ولكنَّها وقعت من الإنسانِ أو عليه على غيرِ إرادةٍ منه وهي ليست في مقدورهِ فهي داخلةٌ في الدائرة التي تسيطرُ عليه، فهذه الأفعالُ كلُّها التي حصلت في الدائرةِ التي تسيطرُ على الإنسانِ هي التي تسمَّى قضاءً، لأنَّ الله وحدَهُ هو الذي قَضَاهُ. ولذلك لا يُحاسَبُ العبدُ على هذه الأفعالِ مهما كان فيها من نفعٍ أو ضُرٍّ أو حُبٍّ أو كراهيةٍ بالنسبة للإنسانِ، أي مهما كان فيها من خيرٍ وشَرٍّ حسبَ تفسيرِ الإنسان لها، وإنْ كان اللهُ وحدَهُ هو الذي يعلمُ الشرَّ والخيرَ في هذه الأفعالِ، لأنَّ الإنسانَ لا أثرَ له بِها. ولا يعلمُ عنها ولا عن كيفيَّةِ إيجادها، ولا يَملكُ دفعَها أو جلبَها مطلقاً، وعلى الإنسان أن يؤمنَ بِهذا القضاءِ وأنهُ من اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما القَدَرُ فهو أنَّ الأفعالَ التي تحصلُ سواءً أكانت في الدائرةِ التي تسيطرُ على الإنسانِ أو الدائرةُ التي يسيطرُ عليها تقعُ من أشياء وعلى أشياءٍ من مادَّة الكون والإنسانِ والحياة، وقد خَلَقَ اللهُ لهذه الأشياءِ خَوَاصَّ معينةً، فخلقَ في النار خاصيَّةَ الإحراقِ، وفي الخشبِ خاصيَّة الاحتراقِ، وفي السِّكينِ خاصيَّةَ القطعِ، وجعلَها لازمةً حسبَ نظامِ الوجُودِ لا تتخلَّفُ. وحين يظهرُ أنَّها تخلَّفَت يكونُ الله قد سلَبَها تلكَ الخاصيَّة وكان ذلك أمراً خارِقاً للعادةِ. وهو يحصلُ للأنبياءِ ويكون معجزةً لهم، وكما خَلَقَ في الأشياءِ خاصيَّات كذلك خَلَقَ في الإنسانِ الغرائزَ والحاجات العضويَّة وجعلَ فيها خاصيَّات معينةٍ كخواصِّ الأشياءِ فخلقَ في غريزة النَّوعِ خاصيَّة الميلِ الجنسيِّ، وفي الحاجاتِ العضوية خاصيَّات كالجوعِ والعطش ونحوِهما، وجعلَها لازمةً لها حسبَ سُنَّةِ الوجودِ. فهذه الخاصيَّات المعيَّنة التي أوجدَها اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الأشياءِ وفي الغرائزِ والحاجات العضويَّة التي في الإنسانِ هي التي تُسمَّى القَدَرَ، لأنَّ الله وحدَهُ هو الذي خَلَقَ الأشياءَ والغرائزَ والحاجات العضويَّة وقَدَّرَ فيها خواصَّها. وهي ليست مِنها ولا شأنَ للعبدِ فيها ولا أثرَ لهُ مطلقاً. وعلى الإنسانِ أن يؤمنَ بأنَّ الذي قَدَّرَ في هذهِ الأشياءِ الخاصيَّات هو اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وهذه الخاصيَّات فيها قابليَّة لأن يعملَ الإنسانُ بواسطتِها عَمَلاً وِفْقَ أوامرِ الله فيكون خَيْراً أو يخالفُ أوامرَ اللهِ فيكون شَرّاً، سواءً في استعمالِ الأشياءِ بخواصِّها أو باستجابتهِ للغرائزِ والحاجات العضويَّة خيراً إنْ كانت حسبَ أوامرِ الله ونواهيه، وشرّاً إن كانت مخالفةً لأوامرِ الله ونواهيهِ.
ومِن هنا كانت الأفعالُ التي تقعُ في الدائرةِ التي تسيطرُ على الإنسانِ من الله خيراً أو شَرّاً، وكانت الخاصيَّات التي وُجدتْ في الأشياءِ والغرائز والحاجات العضويَّة من الله سواءً أنتجَتْ خيراً أو شرّاً، ومن هنا كان لِزاماً على المسلمِ أن يؤمِنَ بالقضاء خيرهِ وشرِّهِ من الله تعالى، أي أن يعتقدَ أنَّ الأفعالَ الخارجةَ عن نطاقهِ هي من الله تعالى، وأن يؤمنَ بالقدرِ خيرهِ وشرِّه من الله تعالى، أي يعتقدَ بأن خواصَّ الأشياءِ الموجودةِ في طبائعِها هي من اللهِ تعالى. سواءٌ ما أنتجَ منها خيراً أم شرّاً، وليس للإنسانِ المخلوق فيها أيُّ أثرٍ، فأَجَلُ الإنسانِ ورِزْقُهُ ونفسُه كلُّ ذلك من اللهِ، كما أنَّ الميلَ الجنسيَّ والميلَ للتملُّكِ الموجودَ في غريزتَي النَّوعِ والبقاءِ، والجوعَ والعطشَ الموجودَ في الحاجاتِ العضويَّة كلُّها من اللهِ تعالى.
هذا بالنِّسبةِ للأفعالِ التي تقعُ في الدائرةِ التي تسيطرُ على الإنسانِ وفي خواصِّ جميعِ الأشياءِ. أما الدائرةُ التي يسيطرُ عليها الإنسانُ فهي الدائرة التي يسيرُ فيها مختاراً ضِمْنَ النِّظامِ الذي يختارهُ سواء شريعةُ اللهِ أو غيرها، وهذه الدائرةُ هي التي تقعُ فيها الأعمالُ التي تصدر من الإنسانِ أو عليهِ بإرادتهِ، فهو يَمشي ويأكلُ ويشرَبُ ويسافر في أيِّ وقتٍ يشاءُ، ويَمتنع عن ذلك في أيِّ وقتٍ يشاء وهو يُحْرِقُ بالنَّارِ ويقطعُ بالسكينِ كما يشاءُ، وهو يشبِعُ جوعةَ النَّوعِ، أو جوعةَ الْمِلْكِ، أو جوعةَ الْمَعِدَةِ كما يشاءُ، يفعلُ مختاراً. ويَمتنعُ عن الفعلِ مختاراً، ولذلك يُسأل عن الأفعالِ التي يقومُ بِها ضمنَ هذهِ الدائرة.
وإنهُ وإن كانت خاصيَّاتُ الأشياءِ، وخاصياتُ الغرائزِ، والحاجاتِ العضوية، التي قدَّرَها اللهُ فيها وجعلَها لازمةً لها هي التي كانَ لها الأثرُ في نتيجةِ الفعل، لكن هذه الخاصياتِ لا تُحدِثُ هي عَمَلاً، بل الإنسانُ حين يستعملُها هو الذي يُحدِثُ العملَ بِها، فالميلُ الجنسيُّ الموجودُ في غريزةِ النَّوعِ فيه قابليةٌ للخيرِ والشرِّ، والجوعُ الموجودُ في الحاجةِ العضويَّة فيه قابليةٌ للخيرِ والشرِّ، لكنَّ الذي يفعلُ الخيرَ والشرَّ، هو الإنسانُ وليست الغريزةُ أو الحاجة العضويَّة، وذلكَ أنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ للإنسانِ العقلَ الذي يُميِّزُ، وجعل في طبيعةِ العقلِ هذا الإدراكَ والتَّمييزَ، وهَدَى الإنسانَ لطريقِ الخير والشرِّ (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )، وجَعَلَ فيها إدراكَ الفجُورِ والتقوَى (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا َقْوَاهَا ). فالإنسانُ حين يستجيبُ لغرائزهِ وحاجاتهِ العضويَّة وِفْقَ أوامرِ الله ونواهيهِ يكونُ قد فعلَ الخيرَ وسار في طريقِ التقوَى، وحين يستجيبُ للغرائزِ والحاجات العضويَّة وهو مُعْرِضٌ عن أوامرِ الله ونواهيهِ يكون قد فعل الشَّرَّ وسارَ في طريق الفُجورِ، فكان في كلِّ ذلك هو الذي يقعُ منه الخيرُ والشرُّ، وعليه يقعُ الخير والشرُّ، وكان هو الذي يستجيبُ للجوعاتِ وِفْقَ أوامرِ الله ونواهيه فيفعلُ الخيرَ، ويستجيبُ لها مخالفاً أوامرَ اللهِ ونواهيه فيفعلُ الشرَّ. وعلى هذا الأساسِ يُحَاسَبُ على هذه الأفعالِ التي تقعُ في الدائرةِ التي يسيطرُ عليها فيُثاب ويُعاقَبُ عليها، لأنه قامَ بِها مُختاراً دونَ أن يكونَ عليه أيُّ إجبارٍ. على أنَّ الغرائزَ والحاجاتِ العضوية وإنْ كانت خاصيَّتها هي من اللهِ، وقابليَّتها للشرِّ والخير هي من اللهِ، لكنَّ اللهَ لم يجعل هذه الخاصيَّةَ على وجهٍ مُلْزِمٍ للقيامِ بِها، سواءٌ فيما يُرْضِي اللهَ أو يُسْخِطَهُ، أيْ سواءٌ في الشرِّ أو الخيرِ، كما أن خاصيةَ الإحراقِ لم تكن على وجهٍ يجعلُها مُلْزِمَةً في الإحراقِ، سواءٌ في الإحراقِ الذي يُرْضِي اللهَ أو الذي يُسْخِطُهُ، أيِ الخيرِ والشرِّ، وإنَّما جُعلت هذه الخاصيَّات فيها تؤدِّيها إذا قام بِها فاعلٌ على الوجهِ المطلوبِ. واللهُ حين خَلَقَ الإنسانَ وخَلَقَ له هذه الغرائزَ والحاجات وخَلَقَ له العقلَ المميِّزَ أعطاهُ الاختيارَ بأن يقومَ بالفعلِ أو يتركه ولم يلزمْهُ بالقيامِ بالفعل أو التركِ. ولم يجعَلْ في خاصيَّات الأشياءِ والغرائز والحاجاتِ العضويَّة ما يُلْزِمُهُ على القيامِ بالفعلِ أو الترك، ولذلكَ كان الإنسانُ مختاراً في الإقدامِ على الفعلِ والإقلاعِ عنه، بَما وَهَبَهُ اللهُ من العقل المميِّز، وجعلَهُ مناطَ التكليفِ الشرعيِّ، ولهذا جَعَلَ له الثوابَ على فعلِ الخيرِ، لأنَّ عقلَهُ اختارَ القيامَ بأوامرِ الله واجتنابِ نواهيه، وجَعَلَ له العقابَ على فعلِ الشرِّ، لأنَّ عقلَهُ اختارَ مخالفةَ أوامرِ الله وعَمِلَ ما نَهَى عنهُ باستجابتهِ للغرائزِ والحاجات العضويَّة على غيرِ الوجهِ الذي أَمَرَ به اللهُ. وكان جزاؤهُ على هذا الفعلِ حقّاً وعدلاً، لأنه مختارٌ في القيامِ به، وليسَ مُجبَراً عليهِ. ولا شأنَ للقضاءِ والقَدَرِ فيه. بلِ المسألةُ هي قيامُ العبدِ نفسه بفعلهِ مختاراً. وعلى ذلك كان مَسؤُولاً عمَّا كَسِبَهُ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ). أمَّا عِلْمُ اللهِ تعالَى فإنه لاَ يُجْبِرُ العبدَ على القيام بالعملِ لأن الله عَلِمَ أنه سيقومُ بالعملِ مختاراً، ولم يكن قيامهُ بالعملِ بناءً على العلمِ، بل كان العلمُ الأزلِيُّ أنه سيقومُ بالعملِ. وليست الكتابةُ في اللوحِ المحفوظ إلاَّ تَعبيراً عن إحاطةِ عِلْمِ اللهِ بكلِّ شيءٍ.
وأمَّا إرادةُ اللهِ تعالى فإنَّها كذلكَ لا تجبرُ العبدَ على العملِ، بل هي آتيةٌ من حيثُ إنَّه لا يقعُ في مُلْكِهِ إلا ما يريدُ: أي لا يقعُ شيءٌ في الوجودِ جَبْراً عنهُ. فإذا عَمِلَ العبدُ عملاً ولم يَمنعْهُ الله منه ولم يرغِمْهُ عليه، بل تركَهُ يفعلُ مختاراً، كان فعلهُ هذا بإرادةِ الله تعالى لا جَبْراً عنهُ، وكان فعلُ العبد نفسهُ باختيارهِ، وكانت الإرادةُ غيرَ مجبرةٍ على العملِ.
هذه هي مسألةُ القَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وهي تحملُ الإنسانَ على فعلِ الخير واجتنابِ الشرِّ حين يعلمُ أنَّ اللهَ مراقبهُ ومحاسِبهُ، وأنه جعلَ له اختيارَ الفعلِ والتَّركِ، وأنه إنْ لم يحسنِ استعمالَ اختيارِ الأفعالِ، كان الوَيْلُ له والعذابُ الشَّديد عليهِ، ولذلك نجدُ المؤمنَ الصادقَ المدرِكَ لحقيقةِ القضاء والقدَر، العارفَ حقيقةَ ما وَهَبَهُ اللهُ من نعمةِ العقلِ والاختيار، نجدهُ شديدَ المراقبةِ لله، شديدَ الخوفِ من اللهِ، يعملُ للقيامِ بالأوامر الإلَهيَّة ولاجتنابِ النَّواهِي، خَوْفاً من عذابِ الله وطَمَعاً في جنَّتهِ وحُبّاً في اكتسابِ ما هو أكبرُ من ذلكَ ألاَ وهو رِضْوَانُ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

يعطيكي الف عافية غاليتي

جزاك الله خير
موضوع رررررررررررائع يا ارووووع ورده

جزاك الله الف خير غاليتي

تسلميين

جزاك الله كل خير

وسبحان الله لارد لقضائه

يعطيك العافيه غلاتي

شكرالكمــ ع المرور

يعطيكمــ العاااافية

محتاجه مثل هيك موضوع
بوركتي اخيتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.