عندماقتلت العجوز 2024.

عندما يسافر الأهل .. وتضمني الجدران بين أضلعها بعنف.. تنتابني حالتان غريبتان:

الصمت وأحلام اليقظة.

فأما الصمت فأنا في هذه الحالة لست بالصامت الوحيد.. فهناك أمة صمتت ستون سنة كاملة وما زالت صامتة إلى يومنا هذا. كما أن ظاهرة أحلام اليقظة ليست أيضاً بجديدة علي… فقد كنت أغرق فيها مع أخي في أيام الصبا عندما يخلو الحي من الأولاد فنستظل تحت أي شيء ونبدأ بالهلوسة العفوية.. بل أن طموحاتنا في بعض الأحيان تتعدى قدرات الزعماء المغاوير.. فآخي مثلاً، وقد كان أكثر مني تطرفاُ واقدر مني علي إبراز مشاعره بأحلام بريئة، كان يتخيل أنه رجلاً خارقاً يحارب اليهود .. لقد كان رغم سنه أكثر جرأة من “دعاة السلام”!!!

وجدت نفسي أسير في غابة ومعي بندقية صيد. وفيما كنت أبحث عن غزال لا تجيد الركض.. شاهدت من بعد خيالاً حسبته ضالتي المنشودة.. فسددت البندقية واقتربت بحذر. وعندما اصبح ذلك الخيال على مرمى البصر فإذا هي امرأة عجوز شمطاء ضرب الدهر في وجهها بأخماس وأسداس. افتر ثغرها..السقيم.. عن ابتسامة بهلوانية.. فبدت أسنانها المترهلة .. كقوارير البولنج بعد ضربة لاعب محترف وقالت:
– على مهلك .. لا تطلق النار.. فأنت من قوم رصاصهم لا يقتل؟!

كدت اضغط على الزناد.. فاستدركت وضحكت وقلت مداعباً:

– ولكن الرصاص الذي معي رصاص أمريكي!!
فلم تتحرك.. ومن حسن الحظ لم تضحك أيضاً وقالت:
– اعلم.. والبندقية أيضاً أمريكية.. فأنت من قوم يلبسون ويأكلون بل وينامون على ما يصنع غيرهم !!!
تمللت هذه المرة.. رغم الصراحة الموجعة.. ألا أن مزاحها ثقيل جداً..كالعلقم..ولكن تحت الرغبة الملحة لمعرفة سر تحاملها العجيب على قومي..سألتها:
– لماذا تتحاملين على قومي هكذا؟ .. ثم ماذا آتى بك إلى هذه الغابة الموحشة؟

أطرقت برأسها وهي تبتسم وكأنها قد خجلت أن تريني أسنانها هذه المرة وأجابت:
– سؤالان في سؤال واحد.. فيك عجلة من قومك!!
بلغ السيل الزبي..فصرخت بها:
– يا إلهي.. ما بالك.. لماذا قومك..قومك..قومك؟؟
اقتربت كثيراً..وقالت بصوت عنيف كأنما يأتي من أعماق التاريخ:

– قومك ليسوا بدعاة حرب ولا سلام.. ولا بأهل سلاح ولا أفراح.. بل هم دعاة استنكار وشجب وأهل مؤتمرات ومجادلات. انظر إليهم..كل يوم بقدر ما تفقدون من ارض أو من بطل مغوار.. يظهر لكم من يربت عل أكتافكم “بمبادرات” سلمية فتستكينون وتسرجون الخيل لـ اللهو والسباق.. وتتناسون القضية. أنتم دائماً تبحثون عن الأتعس بينما غيركم من الأمم تبحث عن الأفضل.. فهناك نهضة صناعية عملاقة في كوريا ونمور آسيا يتحركون والإصلاحات السياسية الجذرية في أوروبا الشرقية نبذت الدكتاتورية المريضة إلى الأبد.. أنظر. هناك تكتلات اقتصادية قوية في أوروبا الغربية بل إن دول أمريكا الجنوبية، رغم تعاستها، بدأت تبحث عن نفسها في هذا الخضم الهائل من التنافس الدولي العنيف في مجالات الصناعة والاقتصاد وحتى الإصلاح السياسي.

أما أنتم.. فأنتم أحسن الأمم في الرقابة على المطبوعات وأكثر الدول تطبيقاً لسياسة ميكافيلي.. وفلسفة الإدارة من-الأعلى-إلى-الأدنى!! أما حرية الفرد في أن يأكل ويشرب ويتأسد على زوجته و”لا يتدخل فيما لا يعنيه” فهي حرية مضمونة بالقانون والقضاء والسلاسل الحديدية… وما زلتم تضربون الأرقام القياسية في جلد المعارضين ونفي المتحدثين والتفاهم المدفعي .. القمعي.. مع كل من تسول له نفسه طرح الرأي الآخر!! أو التكلم بصوت عالي عن شئون “ولي الأمر” وخصوصيات “الحزب” الواحد..الأوحد!!
ومن ابتكاراتكم الجذابة تلك الطريقة “الشيقة” في الحفاظ على أمن المجتمع “بالرش” المباشر لكل الحشرات التي تنوي، مجرد نية، أن تتظاهر أو تتملل أو تحمل لافتات تطالب “بالخبز”!! حتى جنودكم “ينتحرون” !! في السجون إذا أدوا الواجب وقاموا بحماية الحدود…والعربدة الإسرائيلية والأمريكية في أراضيكم وأجواءكم تعدت كل الحدود فيما لا تزال قياداتكم تصفق في بحر من الخسران!! حتى رصاصكم.. ما ترمونه في حرب منذ خمسين سنة أقل وأرذل من ما ترمونه في حفلات الزفاف…ومراسيم الاستقبال والتوديع!!

تمالكت دمعة كادت تتدحرج وقلت :
– حسناً “كل ما دق عود حصاة” قلتي رصاصكم..رصاصكم..رصاصكم.. إني أعرف كيف أجعل هذا الرصاص يمزق قلبك.
أخذت رصاصة عربية من جيبي ووضعتها في بطن البندقية وقلت “بسم الله” .. وضغطت على الزناد بكل ما في يدي من غضب … فتطايرت ط§ظ„ط¹ط¬ظˆط² الشريرة أشلاء متناثرة…

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

وآفقت … على طرق عنيف يكاد يهد باب الشقة الصغير.. فتحت الباب في حيرة ودهشة ويا للعجب…لقد كان شرطياً ضخماً كأبطال المصارعة وخلفه حفنة من الجنود دميمي الخلق والخلق …”لقد ذكروني بغارات منتصف الليل في أزقة العواصم العربية بحثاً عن الملتحين”!!
تقدم مني ذلك الضابط الوسيم وقال:
– تملك الحق في أن تبقى صامتاً حتى تقابل محاميك…؟!
تفاجأت وقد رأيت الأذي في عينيه وقلت:
– على مهلك…لقد كان حلماً.. لقد كان حلماً!!
ضحك …ضحكة سخرية بلا شك وقال:

– لقد قتلتها في حديقة عامة، في وضح النهار، وأمام عشرات الشهود وتقول حلماً..هيا استدر إلى الخلف وضع يديك على رأسك.

حاولت التردد.. والمناقشة.. والاستنكار، على طريقة قومي، (ولكن)… آتى الصوت كالرعد:
– استدر وإلا استخدمت القوة!!
– فرددت حسناً ..حسناً.

وعندما استدرت…سمعت شهقة ذلك الضابط كأنما أصابه شهاب من السماء….فإلتفت فإذا القوم كأن على رؤوسهم الطير .. مرهوبين..حتى النخاع..وقال الضابط بصوت خفيض..ضعيف:
– آسف يا سيدي..سامحني يا مولاي؟! أرجوك ..أقبل قدميك..يا مولاي لا تغضب!!

كالتائه… لم أتمكن من إغلاق فمي الممزق في صحاري الدهشة…ورددت بلا وعي:
– لا لن أغضب ..فقط اتركوني الآن.

تراجعوا إلى الخلف والرهبة مغروسة في عيونهم..
فأقفلت الباب بهدوء ومسحت العرق المتصبب من
جبيني ومن المصادفة أني مررت بيدي على مؤخرة

رأسي —فوجدتها—

إنها “طاقية” إبني الصغير التي تعودت أن أضعها على
رأسي عندما تنتابني إلي ذكراه خواطر الغربة والوحدة القاتلة…يا ترى:

هل أعتقد الضابط … بأني “يهودي” (؟؟)

مما راق لي

يسلموووووو عالتميييييييييييز في المواااااضيع

( ياافـــــلـــــــهـ )

يسلمووووووووووو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.